في أعماق الإنسان عالمان لا يلتقيان إلا نادرًا:
عالم الوعي الذي نعيش به، وعالم اللاوعي الذي يعيش فينا.
الأول نعرفه بالكلمات، والثاني يعرّفنا بالصمت.
الوعي هو الصفحة الظاهرة من كتابنا،
أما اللاوعي فهو ما كُتب بالحبر الخفي بين السطور.
نظن أننا نتحكم في أفكارنا،
لكن الحقيقة أن اللاوعي هو من يُمسك بالخيوط خلف الستار.
إنه الذي يختزن خوف الطفولة، ودموع المرات الأولى، وحنين الأمس.
كلّ ما ظننّاه نسيانًا، ما زال هناك… ينتظر لحظةَ الظهور في كلمةٍ، في تصرّفٍ، في حلمٍ عابر.
الوعي هو ما نقول،
واللاوعي هو ما نقصد.
في اللاوعي تُصاغ دوافعنا، وتُرسم اختياراتنا،
حتى وإن ظننا أننا أحرار.
لهذا قال أحد الحكماء:
"أخطر معركةٍ في الإنسان ليست مع العالم، بل مع ظله في داخله."
حين يتصالح الإنسان مع لاوعيه،
يتحرر من قيودٍ لم يكن يعرف أنه يضعها حول نفسه.
حين يعترف بضعفه، بخوفه، برغباته المخفية،
يتحوّل الوعي من مرآةٍ إلى ضوءٍ،
ومن عقلٍ متعبٍ إلى روحٍ تعرف طريقها.
اللاوعي ليس عدوًا، بل معلمٌ صامت.
إنه الوجه الآخر للحقيقة، الوجه الذي لا نراه إلا حين نغلق أعيننا.
كل حلمٍ رسالة، وكل نسيانٍ اختيار، وكل شعورٍ غامضٍ نداءٌ من الداخل.
وحين نصغي لتلك النداءات، نصبح أكثر صدقًا، أكثر إنسانية.
في النهاية،
الوعي واللاوعي ليسا خصمين، بل شريكين في رسم ملامحنا.
الوعي يضيء الطريق،
واللاوعي يختار الاتجاه.
ومن جمع بينهما،
عرف نفسه… وعرف أن أعظم حقيقةٍ، هي تلك التي تسكنه منذ البداية.








































