منذ خُلق الإنسان، وهو يسير على خيطٍ دقيق بين صوتين متنازعين داخله: صوت القلب، وصوت العقل.
كلاهما يبحث عن الحقيقة، لكن أحدهما يراها بالنبض، والآخر بالمنطق.
وحين يلتقيان في منتصف الطريق، يولد الفهم الصادق الذي يحرّر الإنسان من خداع نفسه.
العقل يقول: لا تصدّق إلا ما تُثبته الدلائل،
والقلب يهمس: هناك حقائق لا تُرى، بل تُحَسّ.
وهنا تتجلّى المفارقة، فالعقل يرى في النور، بينما القلب يرى في العتمة.
العقل يزن الأشياء بميزانٍ منطقـي، أما القلب فيزنها بميزان الإنسانية والدفء.
الحقيقة ليست ما يُرضي أحدهما دون الآخر،
بل ما يجعل العقل مطمئنًا، والقلب راضيًا.
كم من عقلٍ صدّق كذبًا لأنه مقنع، وكم من قلبٍ صدق حقيقةً لا تُفسَّر!
إنها تلك المنطقة الرمادية التي يعيش فيها الإنسان بين المعرفة والشعور، بين الحساب والإحساس.
قال أحد الحكماء:
"العقل يريك الطريق، والقلب يريك السبب."
فمن سار بالعقل وحده ضاع في التفاصيل،
ومن سار بالقلب وحده تاه في العاطفة،
أما من جمعهما، فقد أدرك أن الحقيقة ليست فكرةً تُقال،
بل تجربة تُعاش، وموقف يُختبر، وإيمانٌ يولد من الصدق مع الذات.
الحقيقة لا تعيش في الكتب فقط،
بل في نظرة أمٍّ تُخفي تعبها بابتسامة،
وفي عينِ محبٍّ لا يقدر أن يشرح شعوره، لكنه لا يكذب فيه.
إنها البساطة التي نتغافل عنها ونحن نركض خلف التعقيد.
وفي النهاية،
ليست الحقيقة ما يُقال، بل ما يبقى حيًّا فيك رغم كل الزيف.
هي توافق القلب والعقل في لحظة صدق،
حين يقول الاثنان معًا: هذا أنا… كما أنا.








































