ثمة لحظات في الحياة لا يطلب فيها العالم منك أيها المبدع أن تفعل شيئًا سوى أن تنظر أطول قليلًا.
أن تتأمل ما تعبره كل يوم دون أن تراه.
أن تكتشف أنك لم تعرف نفسك بعد، رغم أنك تعيشها منذ ولادتك.
أن تدرك أن المغامرة لا تكون دائمًا في السفر، بل في أن تفتح نافذة جديدة داخل عقلك.
كنت أظنّ أن الاكتشاف يبدأ حين نغادر، لكني صرت أؤمن أنه يبدأ حين نتوقف.
حين نصمت قليلًا، ونسمح للدهشة أن تتملكنا، فمن لا يندهش، لا يتغير، ومن لا يتغير، لا يبدع.
فالاستكشاف هو الشرارة الأولى لكل خيال، والبذرة التي تنمو منها كل فكرة جديدة.
في مجموعة خوان خوسيه ميّاس "الأشياء تنادينا"، كتب قصة قصيرة بديعة بعنوان "الجزء الخلفي"، عن الأجزاء التي لا ننظر إليها في العالم: خلفية الأشياء، ظهور الأجسام، وجوانب المدن التي نمرّ بها دون اكتراث.
كانت فكرته بسيطة لكنها مزلزلة: أننا نلقي الضوء فقط على واجهات الأشياء، ونترك ظهرها مظلمًا، كأننا نعيش في نصف بيتنا، أو نرى نصف وجوهنا فقط.
كتب في نهاية القصة
"أدركت عند نهاية السفر إلى أي مدى اعتدنا أن نعيش فقط في جانب واحد من الحياة، كأننا نعيش في جانب واحد من جسدنا."
هذه الجملة تلخّص سرّ الإبداع نفسه: أن ترى ما لا يُرى.
أن تمتلك الجرأة على الالتفات إلى "الجزء الخلفي" من العالم — حيث تختبئ القصص التي لم تُكتب بعد، والأفكار التي لم تُجرَّب، والأصوات التي لم تجد من يصغي إليها
من الناحية العلمية، أكدت دراسات علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا أن الانخراط في تجارب جديدة يُنشّط مناطق الخيال في الدماغ ويحفّز إفراز الدوبامين، وهو الهرمون المسؤول عن المتعة والتحفيز والإبداع.
فالاستكشاف لا يفتح الباب للمعرفة فقط، بل يُعيد توصيل دوائر الخيال داخل العقل.
من يجرّب أكثر، يبدع أكثر.
ومن يعيش في مألوفه الدائم، يُعيد إنتاج ذاته في دوائر مغلقة.
إياك وخطورة حبس ابداعك بين جدران ذاتيتك.
الإبداع لا ينشأ من الثبات، بل من الحركة.
من الاصطدام بأفكار جديدة، بأشخاص مختلفين، وبعوالم لم نألفها.
كل اكتشاف صغير هو تجربة جمالية في حد ذاته، لأنه يعيد ترتيب علاقتنا بالعالم.
ولهذا، فالفنان والعالِم والمفكر جميعهم مستكشفون قبل أن يكونوا مبدعين.
أتذكر فيلم Into the Wild، حين قرر البطل أن يترك كل شيء ليبحث عن المعنى، فوجد أن الطبيعة الصامتة كانت المعلم الأعظم.
وفي السينما المصرية، كان البحث عن سيد مرزوق صورة أخرى للاستكشاف كرحلة ذهنية، حيث يتحوّل الطريق إلى اختبار للرؤية، لا للمسافة.
الإبداع يشبه هذا تمامًا: أن تسير بلا خريطة، وأن تصنع طريقك بنفسك، لأن كل خطوة نحو المجهول تفتح في داخلك نافذة للضوء.
"من يملك سببًا يعيش من أجله، يستطيع أن يتحمل أيّ كيف."
نيتشه
هذا السبب الذي يقصده نيتشه لا يُولد جاهزًا، بل يُكتشف في لحظة دهشة، في تجربة غير متوقعة، في قراءة غريبة أو لقاء عابر.
الإبداع هو ابن الاستكشاف، لا يُمكن فصله عنه.
فحين نرى الأشياء من زاويا مختلفة، نحن لا نكتشفها فقط، بل نخلقها من جديد.
تذكر أن الإبداع يتنفس حرية، أعظم الأعمال الفنية ولدت في مناخ من الحرية.
طه حسين قال: "اقرأ لتزداد حرية." ،
وأضيف: استكشف لتزداد حياة... وإبداعًا.
كل فكرة جديدة تفتح بابًا لم يكن موجودًا من قبل، وكل دهشة تُشعل خيالًا نائمًا.
جبران خليل جبران كتب: "بيتك ليس جدرانك، بل هو اتساع رؤيتك."
ورؤية المبدع لا تتسع إلا حين يغامر، حين يتجاوز حدود التجربة الواحدة نحو احتمالات لا نهائية للمعنى.الاستكشاف يُربّي فينا الشجاعة، ويمنحنا القدرة على إعادة تسمية الأشياء.
بعد خوض التجربة، ستدرك أن الاستكشاف لم يكن مجرد رحلة بحث، بل عملية إبداع مستمرة.
أن الطريق كان المعمل الحقيقي للأفكار، وأن الأجزاء الخلفية التي أهملناها كانت تحمل القصص التي ستجعلنا نرى العالم بعين جديدة.
"العالم لا يُكتشف بالخريطة، بل بالخطوة الأولى." — إرنست همينغواي
استكشف، لأنك كلما رأيت أكثر، كتبت أجمل.
وكلما اقتربت من المجهول، اقتربت من نفسك.
افتح الباب الموارب خلف الأشياء، فقد يكون فيه الشرارة التي ستُشعل إبداعك القادم.
هند حمدي عبد الكريم السيد
نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
آمال محمد صالح احمد
يوستينا الفي قلادة برسوم
محمد سعد الدين محمد شاهين
د. ايمان احمد ابو المجد الدواخلي
أيمن موسي أحمد موسي
ايمان صلاح محمد عبد الواحد
غازي جابر البشير زايد
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
ياسر محمود سلمي
زينب حمدي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 



































