بمناسبة ذكرى الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، والتي تـَطلُّ علينا هذه الأيام بسحائب النفحات والروحانيات؛ فإنني أَغتنـمُ هذه السوانح الطيبة لأذكرَ لكم العلاقة التي تربطني به وكيف نشأت؟ وعلى ما قامت؟ وإلى ما وصلت؟
لعلَّ أحدًا يستفيدُ منها؛ فتجاربُ الحياة كلها فوائد لطالما صَدَقَت النية وطَمَحَت العزيمة.
أول معرفتي للدكتور عبد الحليم محمود كان في عام 2008م، وكنتُ يومها غلامًا صغيرًا ابن 9 سنوات فقط، وكنتُ كغيري من الأطفال يَلتـفُّ مع إخوتـه حول التلفاز لمشاهدة ما يُذاع عليه، فكان حينئذ يُذاع لأول مرة مسلسل (العارف بالله عبد الحليم محمود) بطولة المبدع الأستاذ حسن يوسف، وهو العمل الدرامي الوحيد الذي تناول سيرة ومسيرة شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود !!
وبتدبيرٍ من الله رأيتُ نفسي أُتابـع بشغـف ونَـهَـم هذا المسلسل، والذي كان بداية الصلـة الفكرية والقلبية بالدكتور عبد الحليم محمود رضي الله عنه.
وأنا ابن 9 سنين عَرفتُ من هو الدكتور عبد الحليم محمود، مِن مولده إلى وفاته، مرورًا برحلته العلمية في المعهد الأزهري، وسفره لنيل رسالة الدكتوراة من جامعة السوربون، وتوليته لعمادة كلية أصول الدين، وتقريره لمادة التصوف ليكون أوَّلَ مَن أقرَّ تدريسها في كليات جامعة الأزهر، وكيف كانت مسيرته كوزيرًا للأوقاف، ثم أخيرًا برحلته ومسيرته في مشيخة الأزهر الشريف والتي ظلَّ فيها حتى مات بعد رحلة الحج 1978م.
عـرفـتُ وأنا ابن 9 سنوات بعض عناوين مؤلفات الدكتور عبد الحليم محمود، وكيف كان يجمع بين الكتابه وأشغاله الإدارية.
عـرفـتُ لأول مرة - بصورة عامة - بعض القضايا كحقيقة التصوف، ومَا هي الشيوعية وكيف واجهها الإمام عبد الحليم محمود.
عـرفـتُ من المسلسل حكايات كثيرة عن عِلم هذا الرجل وزهده في الحياة وتفوقه في الجانب الروحي ومسبحته التي لم تكن تفارق يده قط.
س: وماذا كانت النتيجة؟
من حبي الشديد للدكتور عبد الحليم محمود - والذي زرعه في داخلي هذا المسلسل وخاصة الأستاذ حسن يوسف الذي أدَّى الدور على أكمل وأبدع وأروع ما يليق بمكانة الشيخ - كانت النتيجة أنني رأيتُ نفسي أُقلِّـدهُ وأحاكيه في كلامي وعباراتي.
لدرجة من تأثري بدور حسن يوسف؛ وجدتُ نفسي أقوم أصلي ركعتين في الليل وأدعو بالأدعية التي كان يدعو بها في المسلسل !!
وأمسكتُ بالسبحة يومها تقليدًا له، وأصبح لي ورد من الاستغفار والأذكار !!
س: وماذا بعد ذلك؟
ومضت الأيام وقلبي مُتَـعلق بشخص عالم وزاهد اسمه (عبد الحليم محمود).
ثم بعد ذلك كانت المرحلة الثانية من رحلتي الفكرية والقلبية المتصلة بهذا الإمام الجليل، والتي ابتدأت وأنـا في المرحلة الإعدادية بالمعهد الأزهري، حين وقعتُ أسيرًا في حُـب واحدٍ من الدعاة المعاصرين والعلماء المشهورين، الذين لهم حُضور يوميا في إذاعة القرآن الكريم، فأخذتُ أسمعُ له وأحفظُ كلامه وأقتبسُ عباراته وأتغنَّى بأشعاره وأحاكي هيئته؛ وسرعان ما تفاجئت أنه من أبرز تلاميذ الإمام عبد الحليم محمود.
فمَن هو هذا العالم الشهير الذي كان سبيلي إلى تقوية العلاقة بيني وبين الدكتور عبد الحليم محمود، هذا ما أتكلم عنه في المقال التالي إن شاء الله.
ولكن قبل إنهاء هذا الجزء أريدُ أن أقطع الطريق على مَن سيحاول اتهامي بأنني أخَـذتُ معلوماتي من المسلسلات، أقول له: إنني لم استسلم لفكر المسلسل فاكتفيت به وفقط، بل لمَّا بَلغتُ مبلغ الشباب الواعي قرأتُ كثيرًا عن مسيرة الإمام عبد الحليم محمود وجهوده العلمية وحياته الروحية . . . فوجدتُ أنَّ كل أحداث المسلسل بالفعل صحيحة لا لغط فيها.