قال: إن الوعي والعلم والذكاء نعمة، لكن يتبعها مسئوليات وواجبات، وتثقِل حياة صاحبها بالمعرفة والتحليل والإجهاد الفكري، حيث يدرك ما وراء المعاني، ليعيش مثقلًا مهمومًا، يحمل المتاعب والتحديات بين شتات أفكاره شاردًا، كما لو كان في غربة مستمرة داخل وطنه.
قلت: صدقت يا صديقي، إلا أن الوعي يمكن أيضًا أن يجعل الإنسان يعيش الحياة الطيبة، إذا ما اقترن بالإيمانيات.
بمعنى، أن الوعي يكشف لك حقائق الدنيا مما أنت عنها مغيَّبًا، ومما لا تراها ولا تعلمها، وبالتالي تستطيع من خلاله وعن طريقه فقط، أن تتعامل مع الحياة بشكل سليم، فتبتعد عن ما يضر من طرق وسبل، لتسير وفق قوانين كونية مستمرة لا تتغير ولا تجامل، من يتماشى معها يصل إلى الفوز والنجاح، رغم كل ما تفضلت به من أحمال فكرية ثقيلة عند الإنسان الواعي.
وتتدخل الايمانيات، لتفسر لنا مع الوعي ما لا يستطيع الوعي بمفرده أن يفسره أحيانًا، فنتعلم من خلالها أن الواقع أفضل من الغيب الذي نتمناه، وأن ما لم يأتِك لا يأتيك لأن ما أتاك هو الأفضل والأنسب، حتى لو كنت تعتبره مصيبة.
وهنا، يتداخل الوعي ثانيًا، ليشرح لك أن ما نزل عليك من أقدار، هي ليست كلها جبرية، بل منها ما هو جبريّ ومنها ما ليس جبريًا، بل أحيانًا يكون من صنيعة يديك،
ذلك لأن كل ما عليك فيه مسئولية هو قدرٌ تصنعه بنفسك، فإن قصَّرت فمصائبك من نفسك، وإن لم يكن عليك فيها تقصير فهي قدرٌ محتوم لا مسئولية عليك فيها وليس لها إلا التسليم.
الوعي، هو الذي يجعلني أحكم في واقعي على الأحداث الجارية بشكل لا تطغى فيه العاطفة، فإذا ما رأيت مخالفًا للقوانين والأنظمة، لا أتعاطف معه، بل أكون مباشرة في جانب اتخاذ أشد الإجراءات والعقوبات على المخالف، وهذا لا يتأتى إلا من خلال الوعي، وغير الواعي نجده يبرر ويستعطف، لترك المخالف لحال سبيله، فتارة يتعذَّر بأكل العيش وأخرى بظروفه المعيشية وأسرته وو إلخ.
الوعي نعمة، رغم كل أثقاله الفكرية، علينا أن نسعى للوصول إليه، فهو ليس شيئٌ سهل المنال، بل علينا أن نتدارسه ونتعلمه.
هو بوابة النجاة من الانزلاق في وَحل دوامة الحياة، يبتعد بك عن أن تكون مماثلًا لمخلوقات عديمة العقل، تولد فتهيم على وجهها بين الغذاء والتكاثر ثم الموت،
الوعي يرتقي بمن وعى، ليسيطر بنفسه على مجريات أمور حياته، بين الفهم وبين قيادة أحداث الحياة، لنصل من خلاله إلى فهم ما هو قدريّ من عند الله وما هو ضمن مسئولياتي فألتزم واجباتي فيه، فلا أركن إلى أقاويل مثل، "كله مكتوب" أو "سيبها على الله" أو "ربنا بيسترها"، رغم أن الله أمر بالسعي والعلم وأسباب الحياة.
وأخيرًا، ندعو الله أن يوفقنا لنسير في طريق الوعي بقوةٍ وإرادة، لأنه بلا شك هو طريق النور.