الإيمان بالغيب والقدر خيره وشره جزء راسخ في عقيدة كل مسلم .
فهناك بعث وحشر وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار الخ
ولكن وجد في المرويات بشكل عام مايتحدث تفصيليا فيما يتصل بهذه الغيبيات من أحداث أجمل القرآن فيها بغاية الإجمال ، كالحديث عن تفاصيل أشراط الساعة وحياة البرزخ والقبور ،وكذا الوصف التفصيلي لأهوال يوم القيامة والجنة والنار ونحو ذلك .
وكان الشيخ محمد عبده رحمه الله ، ومن بعده تلامذته من أمثال الشيخ رشيد رضا والشيخ شلتوت رحمهما الله يرون أنه يجب في أمور الغيبيات الاكتفاء بالنصوص المتواترة ، وعدم الاعتماد على أخبار الآحاد في تقريرها ، لأن الايمان بالغيب من العقائد وهذه لايؤخذ فيها بالظن اتفاقا ، لقول الله تعالى " وإن الظن لايغني من الحق شيئا " ومن ثم فنحن غير مكلفين بالإيمان بما جاء في هذه المرويات من تفصيلات غيبية أجمل فيها القرآن الكريم بغاية الإجمال.
وقد تأثر الشيخ محمد الغزالي رحمه بهذا التوجه ، فكان يرى أن هذه المرويات الآحادية في هذا الباب ، لاسيما أحاديث الفتن وآخر الزمان ، تحتاج إلى مراجعة وتدقيق ، لكونها مرويات آحادية في شأن من شؤون الاعتقاد ، كإخبار القرآن الكريم عن الدابة الي سوف تكلم الناس كعلامة من علامات الساعة ، حيث جاء الحديث عنها مجملا فيما يشبة الإشارة ، دون خوض في نوعها أو شكلها ، على النحو الذي جاء في بعض المرويات .
ومثل ذلك حديث القرآن الكريم عن الصور الذي سوف ينفخ فيه للبعث والحشر ، وكيفية العرض على الله تعالى يوم القيامة -عرض الأشخاص وعرض الأعمال -ومشهد مجيء الرب والملائكة ، نحو ماجاء في هاتين الآيتين " يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافية " و قوله تعالى " وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم "
حيث لانلمح أية إشارة إلى الكيفية التي يتم بها ذلك .
أما التفصيلات في المرويات في كل ذلك فكثيرة، ومنها ماصححه العلماء ومنها ماحكموا عليه بالضعف ، بل وبالوضع.
هذا بالاضافة إلى مالم يخبر عنه القرآن الكريم قط من أحداث غيبية ، مما حفلت به المرويات الآحادية ، كصفة المسيح الدجال وصفة ضمة القبر وكيفية السؤال فيه ، وأمر منكر ونكير ، الخ
ورأي الشيخ محمد عبده رحمه الله وشيوخ مدرسته ، أنه ما لم ترد بهذه التفصيلات الأخبار القاطعة من قرآن كريم أو سنة متواترة ، فإنه لايلزم المسلم الإيمان بها ، ولايضر بعقيدته جحدها .
وأضيف إلى ماقاله الشيخ محمد عبده رحمه الله : أن الإيمان بالغيب إنما يهدف في الأساس إلى تحقيق غاية أعمق من كل هذه الجدليات التي تدور حول تفصيلات لاتؤثر في شيء من الاعتقاد ، فالإيمان بالغيب هو السبيل الأعظم لإعمار الحياة بكل قيم الجمال والخير ، لما له من دور أساسي في تزكية النفس وتعميق خلق المراقبة والتقوى ، وكذا التطهر من الشر والرزيلة وأمراض القلوب والنفوس الخ
فالله تعالى لايريد منا أن نعيش الحياة الدنيا بروح من ينتظرون الموت ، وكيف ونحن مكلفون بإعمارها ؟ تحقيقا لمهمة الاستخلاف عنه تعالى في الأرض .
يعنى نحن مطالبون بدلا من الخوض في تفصيلات لايلزمنا الايمان بها إلى ترسيخ الإيمان بقوة في القلوب ، وكيف نؤسس للتقوى والمراقبة وبلوغ درجة الإحسان .
وقبل كل ذلك ، نحن مطالبون بإعمار القلب بالتقوى ، حتى يصبح أهلا لبلوغ هذه المقامات العليا ، فنعيش على هذه الأرض خفافا من أوزار الذنوب وأرجاس النفوس ، وكأننا ملائكة تحلق في الملكوت .
"وماذلك على الله بعزيز "
"إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم" صدق الله العظيم .