الفيزياء علم طبيعي والشعر أدب روحي، لكل منهما مسار مختلف، قد لا يلتقيان إلا في بعض الشخصيات النادرة كأمثال أستاذنا العلامة الفيزيائي الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا، أستاذ الفيزياء المتفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة.
والدكتور أحمد فؤاد باشا - أمده الله بالصحة والعافية - من العلماء الكبار الذين أثروا المكتبة العربية والذاكرة العلمية بالتصانيف الفريدة في علوم الفيزياء، ثم أصبغها بصبغة الفكر الإسلامي فأخرج لنا مشروعه الضخم (نظرية العلم الإسلامية)، وهو مجهود حافل ومشهود وواضح على الساحة.
لكن الجانب الشعري في حياة الدكتور أحمد فؤاد باشا قد لا يكون واضحا أمام الكثيرين كغيره من المجالات الأخرى.
والحقيقة أنه شاعر مرهف الحس، سهل الإسلوب، بليغ المعنى، وصل لنا من شعره عدة قصائد فقط عبر أحاديثه ومحاوراته التليفزيونية، ومنها وصل لنا هذا المعنى أنه شاعر لو استمر في ذلك لأخرج لنا ديوانا فريدًا.
ولقد نشرت قبل ذلك قصيدته التي كتبها في حب أستاذه الجيولوجي الموسيقار الدكتور يوسف شوقي، وهي قصيدة عصماء.
وإليكم تجربة أخرى من هذه التجارب الشعرية، وهي ما كتبه يوم أن استلم أول جواب من أهله بعدما سافر إلى موسكو، وكانت الجوابات حينها توضع في إطار مزخرف أنيق، فقال:
جــاءتْ مُـزَخْـرَفَــةَ الإزار
كَالشَّمْسِ في وَضَحِ النَّهارِ
فَـأمْسَكْـتُهـا بِيَـدِ الجَـوَى
وأزَحْتُ بالأُخْرَى الخِمارِ
وحَـجَـبْـتُـهـا بِخَـوَاطِـري
عـنْ أعـيُـنٍ تَـرْنُـو كِـثـارِ
رَنَــتْ إلَـيَّ تَقُـولُ لــي:
ابْـنَ الطَّبِيـعَـةِ، لا يَـغَـارِ
أنْـتَ الَّـــذِي عَـــنْ حُـبِّــهِ
لَـمْ يُـثْـنِـنِـي بَـعْـدُ المَــزارِ
قَدْ جِئْتُ أُهْدِيكَ السَّلَامَةَ
مِـنَ الأحِــبَّــةِ وَالـدِّيَـــــارِ
والأُنْـثِيَـــاتِ السَّـاهِـرَاتِ
البَــاكِيَــاتِ دَمًـــا ونَــــار
وَحَمَلْـتُ بَيْـنَ جَـوَانِـحِي
ذِكْرَى وَدَاعِكَ في المَطَارِ
وَدُعَاءَ أُمِّكَ في الصَّلاةِ
وَشَوْقَ إخْوَتِكَ الصِّغَارِ
أُفَدِيكِ زَائِرَتِي بِأَيَّامِي
وَأَحْــلَامِي الــكِـبَـــــارِ
إنَّ الـرَّسَـائِــلَ بَـلْسَـــمٌ
تَشْفِي غَلائِلَ الاضْطِرَارِ
هذا، وقد سمعت تلك القصيدة من سيادته في لقاء تليفزيوني، فإن كان بها نقص أو خطأ فليصححها لي مَن على دراية بها.
وإلى اللقاء مع قصيدة أخرى إن شاء الله.