في خضم التوترات المتصاعدة في منطقة شرق آسيا والشرق الأوسط، وبعد إعلان الولايات المتحدة عن تنفيذ ضربة نوعية استهدفت منشأة نووية إيرانية، جاء الرد الإيراني خافتًا بشكل أثار علامات استفهام كبيرة. هذا الرد الذي لم يرقَ لتوقعات المتابعين، أعاد إلى الواجهة تساؤلات حساسة: هل تراجع إيران ناتج عن قصور في القدرة العسكرية؟ أم أنه جزء من مناورة أوسع تهدف إلى إعادة التموضع عبر تحالفات جديدة، قد تكون سرّية بطبيعتها؟
الحدث والرد: صدمة الرأي العام
تاريخيًا، لم تكن إيران تتأخر في الرد على استهداف مصالحها، خاصة إذا كان الهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل. ومع أن منشآتها النووية تُعتبر "الخط الأحمر" في العقيدة الإستراتيجية لطهران، إلا أن الضربة الأخيرة قوبلت بإدانة شفهية وتصريحات متحفظة. هذا "الصمت المدوي" خالف نهجها المعروف، ما دعا محللين إلى افتراض أن إيران إما:
فقدت فعليًا بعض قدراتها النووية وتخشى إعلان ذلك.
تنتظر الفرصة المناسبة للرد بطريقة أكثر تأثيرًا.
أو أنها دخلت بالفعل في مفاوضات أو ترتيبات سرية مع أطراف إقليمية ودولية، تُعيد من خلالها رسم حدود اللعبة.
التحالفات: الاقتصاد والدين في خلفية المشهد
لا يمكن النظر إلى إيران بمنأى عن شبكة التحالفات التي نسجتها عبر السنوات. فهي حليف وثيق لكل من روسيا والصين، وتجمعها مصالح إستراتيجية مع دول مثل فنزويلا وسوريا، إضافة إلى أذرعها في المنطقة (حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق).
كما أن بعض الدول ذات الانتماء الإسلامي الشيعي أو المصالح المتقاطعة مع طهران، تفضل الحفاظ على علاقتها بها، رغم الضغوط الغربية. هذه الخارطة المعقدة تمنح إيران قدرة على المناورة، لكنها في الوقت نفسه تفرض عليها حسابات دقيقة عند الرد على أي تصعيد عسكري.
هل هناك مفاوضات سرية؟
من بين الفرضيات المتداولة، أن إيران قد اختارت خفض التصعيد مؤقتًا مقابل فتح قنوات تفاوض غير معلنة، قد تكون بوساطة دول مثل قطر أو سلطنة عمان، التي لها سجل حافل في التوسط بين واشنطن وطهران، خصوصًا خلال مفاوضات الاتفاق النووي 2015 وما بعده.
ولا يُستبعد أن تكون الولايات المتحدة نفسها، ورغم تنفيذها للهجوم، راغبة في إبقاء الباب مواربًا أمام تسوية مستقبلية، خاصة مع قرب الانتخابات الأمريكية وحاجة الإدارة الحالية لتجنب حرب جديدة في الشرق الأوسط.
إيران وإسرائيل: بين الردع والاحتمال المفتوح
في المقابل، تبقى إسرائيل حاضرة بقوة في خلفية هذا المشهد. فهي صاحبة المصلحة الكبرى في تحجيم المشروع النووي الإيراني، ولا تتردد في تنفيذ ضربات نوعية كلما رأت فرصة لذلك. غير أن دخول الولايات المتحدة المباشر على الخط، يعكس حجم التنسيق بين الحليفين، ويضيق الخيارات أمام إيران، التي تخشى أن يؤدي ردها إلى تفجير صراع شامل متعدد الجبهات.
خلاصة: غموض مقصود أم ضعف مرحلي؟
بين التحليل السياسي والعسكري، يبقى الوضع الإيراني مثيرًا للتأمل. فالصمت قد يكون لغة جديدة تعتمدها طهران ضمن سياسة "الصبر الإستراتيجي"، أو مجرد علامة على إعادة تقييم للموقف بعد ضربة مؤلمة.
لكن الأكيد أن إيران – سواء اختارت الرد أو التأني – تسعى اليوم لرسم توازن جديد في الإقليم، يعتمد على أدوات مختلفة: الردع، التحالفات، والدبلوماسية السرية.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل تختار إيران الظهور مجددًا كقوة "مقاومة" عبر عمل عسكري مفاجئ؟ أم تكتفي ببناء جبهة دعم خفيّة، تضمن لها نفوذًا طويل الأمد دون الحاجة إلى القتال؟