لطالما سعدت بالعطاء..
وكنت في خضم عطائي أجتهد بمنح المزيد والمزيد..
وأتفنن في تقديم كل شيء..
بل وإعداده وتقديمه بحب وسعادة..
موقنة دائمًا أن الحب يمنح الأشياء كلها جمالًا إضافيًا مبهرًا..
اعتدت أن أكون لمن حولي وطنًا يضم كل لاجئيه باهتمام وحنان..
كنت أمنح ما حلمت يومًا أن أحظى به..
وكانت الحاجة خير إلهامٍ يعينني على تزيين مخيلتي بمختلف فنون العطاء.. والتلذذ بنشوة المنح..
منحت حبًا.. لطالما تمنى قلبي أن يتذوقه..
وأمنًا.. رغم زعزعة الخوف بين أرجائي..
وجهدًا.. حلمت أن يسعاه البعض من أجل إسعادي..
ودفئًا.. رغم أن برودة الوحدة كانت تنهش بأوصالي..
منحت كل ما استطعت من أشياء.. قبل أن يطلبها أصحابها.. وربما دون أن تجول بخواطرهم من الأساس..
ودون انتظار مقابل..
عبَّدْتُّ طرقات العابرين بالمحبة..
وزينتها بأغصان المودة..
وأضأتها بنور الابتسام..
كنت نجم التائهين.. رغم تيهي..
وحقيقة المتشككين رغم فقداني ليقيني..
كنت الكف الذي يربت..
ويؤمن أنه يومًا ما سيأتي إلي أحدهم.. ويحتويني بين ذراعيه.. ويكون لي ذا الكف الحنون..
وكلما رأيت أثر ما غرسته يزهر يانعًا.. شعرت بالسعادة والرضا..
ولكنني انتظرت وطال انتظاري..
حتى أن أوتادي صارت قاسية تجرحني حين مساسها..
وتؤلمني بأشواكها..
يئست..
وخارت قواي وضعفت..
فلقد منحت ومنحت فوق طاقتي حتى استهلكت..
وبينما أبكي عمرًا ظننته ضاع نظرت فإذا بالزهر يتفتح إثر قطرات دموعي..
فانقلب بكائي ضحكًا أطرب الكون بنغمه..
فلقد علمت أن المنح قدري..
وأنني مهما وهنت سأقوى كلما منحت أكثر وأكثر..
فأنا وقودي العطاء..
وأن هناك بعض الأشياء كالهواء يثلج صدورنا ويجدد فينا دوما الحياة..
ومهما يئسنا ممن حولنا.. وطالنا الضعف وغمرنا..
فلا يسعنا إلا أن نلفظه..
وننهل من الأمل بالحياة من جديد لأننا لا نستطيع العيش من دون العطاء أبدًا..
فالعطاء نهر الحياة الذي به نحيا ونزهر من جديد..