يحكى أن بستانيا كان متيما بأحد أنواع الزهور ! حتى إنه غرس فى فناء داره مئات من فصائلها المختلفة ، كى تزهر على مدار العام ، ظن أنه بهذه الطريقة سوف أن يروى عشقه لرؤيتها؛ وقد عاونه أصدقاؤه على هذا العشق ، فأرسلوا إليه من كافة أرجاء الكون كل ما عثروا عليه من هذه الزهور .
كان البستانى يكرس الكثير من وقته لتلك الزهور ، ويحرص كل يوم على ريها ، ومتابعة نموها ، وتقليب تربتها ، وتشذيب فروعها ، وتقليم جذورها ومولاتها بالمخصبات .
وفى إحدى الليالى حلم حلما غريبا ؛ إذ تراءت له أنه بينما كان يشذب غابته الوردية دخلت فناء داره أنواع مختلفة من الزهور ، بدا الأمر كما لو كانت كل أزهار الكون قد جاءت لزيارته ، وعندما اقتربت منه الأزهار نظرت إليه بتجهم ، والحزن يكسوها ، والدمع يغلف أعينها ، وقف البستانى مندهشا من كل ما يحدث !
كانت زهور الفاوانيا أول المتحدثات :
فقالت : إيمانا منا بقيمة احترام الذات ما كنا لنجرؤ على الحضور إلى فناء دارك دون دعوة ، لقد آتينا اليوم بعد أن تلقينا دعوة أخواتنا المقيمات عندك .
سوسن الماء كانت ثانية المتحدثات ؛ فقالت : عندما استيقظت من النوم فىبركتى عند حافة الغابة ، سمعت أخوتى يمرون فى صخب متجهين إلى هنا ، وإيمانا منى بقيمة المشاركة تتبعتهم .
هالة الصباح قوست جسدها الرقيق وفتحت فمها الدقيق ؛ فقالت : لا تستطيع أن تنكر أننا أيضا جميلات .
زهرة الرمان وقفت معترضة ؛
فقالت : إن عدم الاكتراث يعادل الإزدراء .
الأوركيد الأبيض أبدت أسفها ؛
فقالت : يجب أن تقدر جمال الروح .
زهرة الصبار ترفعت فى غضب ؛
فقالت : الذين يحبون الخنوع هم أنفسهم ضعفاء ؛ لذا يجب أن تقدر الأرواح التى لا تقهر .
ياسمين الشتاء ببراءتها ؛
فقالت : أحضرت معى قوة الإيمان لا تنساها .
زهرة الأوركيد بتعاطفها ؛
فقالت : وأنا أحمل عبير الصداقة .
كل زهرة قالت كلمتها وصمتت ، وفى النهاية قالوا جميعا فى تناغم واحد ( إن من يعشق لمحظوظ ) لقد تجاهلنا لفترة طويلة ، وشكوانا أكثر من نرويها ، إن أدركت معنى رسالتنا تكن مباركا .
تحدثت فى اللحظة كل الزهور التىفى فناء داره ؛
فقالت : إن أردت الصدق فنحن نشعر بوحدة شديدة هنا ، إذا استطعت أن تجمعنا سويا قد منحتنا السعادة ، وبمجرد أن انتهوا من حديثهم اختفوا جميعا فى لحظة واحدة .
استيقظ البستانى حزين القلب ، ملك عليه هذا الحلم تفكيره ؛ فسار فى كل أرجاء حديقته ، مفكرا « إن كل زهرة تملك جمالا خاصا بها ، كما أن من حقها أن تتخير مواسم تفتحتها ، ولأنى شغفت بأحد أنواعها فقد أصبح عالمى صغير جدا ، كيف لم أدرك أنه بجانب القصير نستطيع أن نعرف الطويل ، وبجانب الصغير نستطيع أن نعرف الكبير ، وبجانب القبيح نستطيع أن نميز الجميل .. اعتبارا من اليوم يجب أن يصبح فناء دارى مملكة للشذا والعبير المتنوع .
ودون ثمة مقارنة ؛ فالأفكار كذلك دون تنوعها تصبح وحيدة ضعيفة تتجمد وتذبل وتتلاشى .. ومن الذكاء أيضا أن لا نحجر على مواسم تفتحها .