ليل هادىء؛ ساكن؛ كسكون سكين مسنون، انسل ممزقا أوصال ...لا أعرف أوصال من ؟!
لايهم ...
المهم أن صمت السكين القاتل خلف ضجيج دماء لا ينتهى، صخب في رأسي،أزهق روحى ...
عدوت على درجات السلم تتقافز دقات قلبى وكأنها تحاول أن تسبقنى إلى الشارع، أرتجف كعصفور مبتل على سور شرفة معدنى ، صفعتنى برودة الهواء ، فأدركت أننى أتصبب عرقا .. أو دما ، لا أدرى!!
شارعنا مظلم ..تنطفيء مصابيحه (المكسور معظمها) كل ليلة، كما انطفأت ضمائر الناس منذ زمن، خصوصا من يسكنون شارعنا .
فبالرغم من معرفتهم بما يحدث فى الظلام كل ليلة، إلا أنهم لا يكترثون ويتظاهرون بالجهل فى بله متعمد .
يستمعون إلى الأخبار ثم يناموا ليستيقظوا مبكرا ، المهم عندهم ألا يحدث ما يوقظهم ، أو يحدث جلبة تزعجهم .
ربما لا يعلمون !!!
لا؛ بل هم يعلمون..
أتحاول تضليلى أيها العقل المخادع؟
هل تحاول أن تقنعنى أنهم لا يرون" عطية الديلر" وهو يبيع الوهم المسموم لأصحاب السيارات ذات الزجاج "الفيميه" و الأرقام الخاصة والموسيقى الصاخبة والضحكات الرقيعة على ناصية الشارع .
أو أنهم لا يعرفون ما تفعله "سهام "بنت عم فتحى الحلاق فى بئر السلم وعلى منصة التيك توك لتتقاضى بعض المال ،الذى تكمل به ميزانية الشهر ،تلك الميزانية التى أصبحت لا تكفى شيئا والتى يعطيها لها والدها لتدبر أحوال المنزل بعد وفاة والدتها، لتنفق عليه وعلى إخوتها الخمسة دون أن يعلم ، حتى لا تشعره بالعجز !
العجز ... العجز...
ذلك العجز الذى دفع" سميحة" لمحاولة بائسة لخيانة زوجها "جلال " إلكترونيا والتى باءت بالفشل سريعا لاكتشافها أن سبع البرومبة "وحيد" لم يكن الحبيب المنشود وهى قصة حبه الوحيدة كما صور لها ، بل كانت لا تعدو كونها فصلا من فصول رواياته العديدة، ومحادثة من ضمن آلاف المحادثات لا أكثر ولا أقل .
ومالم تعلمه سميحة أن "جلال" رأى إحدى تلك المحادثات إلا أنه أبى أن يتخذ أى موقف حفاظا على صورته أمام الناس وأمام نفسه ، وأسر لى بذلك فى لحظة انهيار وضعف .
كلهم كانوا يعلمون ذلك عن" وحيد "وحدها سميحة لم تكن تعلم سوى أنه فرصة أفلاطونية للحياة والحب حتى لو كانت فرصة وهمية فاسدة .
وذلك الشاب المسكين الذى ضربه أحدهم حتى الموت (مع أن أحدهم هذا معروف) وتركه جثة هامدة على الدرجات الرخامية البيضاء لمنزله لأنه آمن يوما بالثو...بالثور ...بأنه برج الثور ...ربما نطح أحدهم بقرنيه هههههههههههه
أو ربما كسر قرونا لثيران أخرى ...
وذلك البغل المسمى" زيكو" السرسجى بقميصه الأبيض قصير الكم المتسخ دائما وبنطاله الچينز الأزرق الأمريكي المتهلهل ، ذلك الزيكو، الذى لا يمت للكائنات البشرية بصلة سوى التشريح الفسيولوجى؛ فهو كائن لزج هلامى ،حدوده مؤطرة بسلسلة من الحديد و "سفوريا" كما يطلقون عليها ، لا شغل له سوى الانتظار فى الظلام "ليثبت "هذا ويحصل على ما معه عنوة ويعاكس تلك ويتلفظ بكلمات نابية يعتبرها دلالة على الرجولة والذكورة ،ويتحرش ببنات الحي على مرأى ومسمع من الجميع .
الكل كان يرى ذلك ويغض البصر ، خوفا من زيكو وأفعاله السافلة .
بل على العكس كانوا يتقربون منه ويمنحونه" النفحات " لاتقاء شره و لنيل حمايته من نفسه.
لا تقنعنى أيها العقل الملوث أنهم لا يعلمون، لأننى لن أصدقك .
كما لم أصدقك عندما صورت لى ذلك الوهم السخيف
بأننى أقتل ابنتى الوحيدة ...لن أصدق تلك الرؤيا.
صحيح أننى أخاف عليها من سم عطية الديلر و أخلاق سهام و سذاجة وضعف سميحة وغواية وخداع وحيد وطيبة وسلبية زوج كجلال وبلطجة وسفالة زيكو ولن أقبل أن أراها ملقاة على درجات البيت الرخامية البيضاء مقتولة لأنها آمنت بأى شيء ، مع أننا لا نمتلك درجات رخامية بيضاء .
نعم أنا أخاف عليها حد الرعب لكن مستحيل أن أقتلها... مستحيل أن أقتل" زهرة "
أتعرف يا عقلى السخيف من يستحق القتل ؟
...........
_لمعت عيناه وابتسم إبتسامة مرعبة وهو يشق طريقه وفى يده السكين .