كثيرًا ما سمعت عبارة «الدنيا دوّارة»، وكنت أتعامل معها كحكمة متداولة أكثر منها حقيقة مؤكدة. كنت أقول في نفسي: هل حقًا يمكن أن تعود الأفعال إلى أصحابها؟ هل يمكن للظلم، أو القسوة، أو الاستقواء، أو الاستخفاف بمشاعر الآخرين، أن يرتدّ يومًا على من صنعه؟
ومع مرور الوقت، بدأت أرى الإجابة بعينيّ.
رأيت كيف يذوق الإنسان من الكأس نفسها التي سقاها لغيره، لا مجازًا ولا تقريبًا، بل بالتفاصيل نفسها، وبالإحساس ذاته، وبالجرح نفسه. عندها فقط ادركت أن «الدنيا دوّارة» ليست جملة عابرة، بل قانونًا صامتًا يعمل دون ضجيج.
قد تبدو الدنيا في كثير من الأحيان غير عادلة، لكن الحقيقة الأعمق أن الله عادل، حقّاني، لا ينسى، ولا يترك أثرًا بلا حساب. قد يتأخر الرد، وقد يمرّ وقت طويل، لكن ما زرعته في غيرك سيعود إليك يومًا ما، كما هو، دون نقصان.
الأصعب في الأمر ليس رجوع الفعل، بل رجوع الشعور. أن تجد نفسك في الموضع نفسه الذي وضعت فيه غيرك، أن تشعر بالعجز ذاته، بالخذلان نفسه، بالألم الذي ظننت يومًا أنه بسيط أو مستحق. حينها فقط تفهم معنى ما فعلت.
وتدور الدنيا أكثر، فتُفاجأ بأن أكثر من يقف إلى جوارك في لحظات ضعفك، هم أولئك الذين آذيتهم يومًا، أو كسرتهم، أو استقويت عليهم. لأن داخلهم كان نقيًا، لا يعرف الأذى، ولا يجيد الانتقام. لم تضرّهم أفعالُك كما ظننت، بل كانت سببًا في أن يصبحوا أقوى، وأنضج، وأكثر فهمًا للحياة على حقيقتها.
أما أنت، فتبدأ رحلتك مع الندم.
لهذا، انتبه لأفعالك. لا تفرح بقوتك المؤقتة، ولا تطمئن لقدرتك على الإيذاء الآن. فالدنيا لا تنسى، والأفعال لا تموت، هي فقط تنتظر أن تعود.
في النهاية، ما نتركه في قلوب الناس لا يضيع، إمّا يعود إلينا طمأنينة… أو درسًا لا يُنسى.






































