الكتابة حرفة تعتمد علي الامتلاك الجيد لأدوات الكتابة ومنها اللغة ؛
ولأن اللغة العربية لغة صعبة ودروبها ليست في متناول من لم يتعلم فنونها فقد لجأ بعض الكتاب المحدثين إلي أقحام العامية في كتاباتهم سواء كانت شعرا أم نثرا وهو ما رفضه ثقاة الكتابة في فنون الأدب المختلفة عندما وجدوا بعضا ممن لا يجيدون كتابة جملة عربية واحدة وكاملة بشكل صحيح ورغم ذلك نزلوا سوق الأدب ككتاب شعر أو قص أورواية حتي ولو استعانوا ببعض معارفهم ممن يجيدون التعامل مع اللغة في مراجعة وتصحيح ما يكتبون .
والكتابة السردية الحديثة خاصة في الرواية والقصة القصيرة تتجه بشكل متزايد نحو توظيف العامية أو اللهجات المحلية. هذا التوجه له تأثيرات كبيرة ومتنوعة على السرد القصصي بشكل إيجابي في نظر البعض ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
إضفاء الواقعية والمصداقية
• تقريب الشخصيات من الواقع باستخدام العامية في الحوارات وحتى في بعض أجزاء السرد يجعل الشخصيات تبدو أكثر واقعية وحياة. القارئ يشعر وكأن هذه الشخصيات تتحدث بلغته اليومية مما يزيد من تعاطفه وتفاعله معها.
• عكس البيئة والمجتمع حيث تمنح العامية النص عمقًا ثقافيًا واجتماعيًا فريدًا. فهي تعكس تفاصيل دقيقة للبيئة التي تدور فيها الأحداث وتظهر جوانب من الحياة اليومية والعادات والتقاليد التي قد يصعب التعبير عنها بالفصحى بنفس القدر من الأصالة.
• الوصول إلى شريحة أوسع من القراء فبما أن العامية هي اللغة التي يتحدثها غالبية الناس في حياتهم اليومية فإن استخدامها يزيل حاجز اللغة بين النص والقارئ مما يجعل العمل الأدبي أكثر سهولة في الفهم والوصول لشريحة أكبر من الجمهور.
تعزيز التعبير والعفوية
• مرونة التعبير حيث تتيح العامية للكاتب مرونة أكبر في التعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة عفوية وتلقائية بعيدًا عن قيود وقواعد الفصحى الصارمة أحيانًا. هذا يساعد على خلق نبرة أكثر حميمية وتأثيرًا.
• القدرة على التعبير عن الفكاهة تمنح العامية الكاتب أدوات جديدة للفكاهة والسخرية، حيث يمكنه استخدام تعبيرات وعبارات شعبية تضيف بعدًا كوميديًا أو ساخرًا للنص.
• نقل التفاصيل الدقيقة حيث تساعد العامية على إدراج التفاصيل الصغيرة في حياة الشخصيات بطريقة بسيطة ومباشرة مما يضيف عمقًا للوصف ويجعل القارئ يشعر بأنه يعيش التجربة.
التحديات المحتملة
على الرغم من المزايا، فهناك علي الجانب الآخربعض السلبيات والتحديات التي قد تنشأ عن استخدام العامية:
• محدودية الانتشار فقد يواجه العمل المكتوب بالعامية صعوبة في الوصول إلى جمهور أوسع خارج النطاق الجغرافي للهجة المستخدمة مما يقلل من انتشاره وتأثيره على المستوى العربي الأوسع.
• تحدي الفهم فقد يجد القارئ من منطقة جغرافية أخرى صعوبة في فهم بعض التعابير أو الكلمات العامية الخاصة بلهجة معينة، مما قد يؤثر على استيعابه للنص.
• الخوف من ضعف اللغة فيرى بعض النقاد أن الإفراط في استخدام العامية قد يؤدي إلى إضعاف اللغة العربية الفصحى وتهميشها، خاصة في السياقات الأدبية الجادة.
التوازن بين الفصحى والعامية
العديد من الكتاب المعاصرين يختارون المزج بين الفصحى والعامية بطريقة ذكية. فغالبًا ما يستخدمون الفصحى في السرد والوصف، والعامية في الحوارات لإضفاء الواقعية والمصداقية على شخصياتهم. هذا التوازن يسمح للعمل الأدبي بالاستفادة من قوة وجمال الفصحى مع الحفاظ على حيوية وعفوية العامية.
الآثار السلبية للكتابة بالعامية في فنون الأدب المختلفة وخاصة المتصلة بالسرد :
مع أن استخدام العامية في السرد القصصي الحديث له جاذبيته في بعض الجوانب إلا أن له آثارًا سلبية واضحة خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالعمق الأدبي والانتشار والحفاظ على اللغة العربية الفصحى. وأبرز هذه الآثار:
تحديات الانتشار والتلقي
• محدودية الجمهور تكمن أكبر سلبية في أن العامية لهجة محلية أو إقليمية. فاستخدام لهجة معينة (مثل العامية المصرية، الشامية، الخليجية، أو المغربية) يحد من قدرة العمل الأدبي على الانتشار خارج نطرافها الجغرافية. القارئ من بلد آخر قد يجد صعوبة كبيرة في فهم بعض الكلمات أو التعبيرات مما يجعله ينفر من النص. هذا يؤثر سلبًا على عالمية النص الأدبي ويقلل من فرصه في الوصول إلى جمهور عربي أوسع.
• الحاجة إلى الشروحات فتجاوز مشكلة الفهم، قد يضطر الكاتب أو الناشر إلى إضافة هوامش أو شروحات للكلمات العامية، مما يقطع تدفق القراءة ويثقل النص، ويفقد العمل الأدبي جزءًا من تلقائيته وسلاسته.
• التأثير المخل على الترجمة عند ترجمة الأعمال المكتوبة بالعامية إلى لغات أجنبية تكون أكثر تعقيدًا. فالمترجم قد يجد صعوبة في نقل الفروق الدقيقة والمحملات الثقافية للعامية مما قد يؤدي إلى فقدان جزء كبير من جمالية النص الأصلي وقوته.
تأثيرها على جودة النص الأدبي واللغة الفصحى
• فقدان الثراء اللغوي والبلاغي اللغة العربية الفصحى تتميز بثراء مفرداتها، ودقة تعابيرها وقدرتها على التعبير عن المعاني العميقة والمجردة. العامية، بطبيعتها، تفتقر إلى هذا الثراء، مما قد يحد من قدرة الكاتب على التعبير عن أفكار معقدة أو مشاعر مركبة بنفس القدر من العمق والدقة. كما أنها لا تملك نفس المرونة البلاغية والجمالية للفصحى، التي تسمح بتنوع الأساليب والتراكيب اللغوية.
• ضعف التماسك اللغوي حيث تفتقر العامية إلى قواعد نحوية وصرفية موحدة وثابتة كالتي تتمتع بها الفصحى. هذا الافتقار قد يؤدي إلى ضعف التماسك اللغوي في النص، ويجعل العمل أقل انضباطًا وقوة.
• تهديد اللغة العربية الفصحى حيث يرى كثيرون من المدافعين عن اللغة العربية أن الإفراط في استخدام العامية في الأدب يمثل تهديدًا لمستقبل الفصحى خاصة وهي لغة القرآن الكريم . فإذا اعتاد القراء والكتّاب على العامية في الأعمال الأدبية، قد يقل اهتمامهم بالفصحى، مما يؤثر على تعليمها وتعلمها واستخدامها في مجالات الحياة المختلفة. هذا قد يؤدي إلى ضعف الأجيال الجديدة في لغتها الأم.
• "الابتذال" و"السطحية": قد يرى بعض النقاد أن استخدام العامية في السرد يؤدي إلى "ابتذال" النص و"سطحيته"، حيث قد تفقد القيمة الفنية والأدبية التي يمكن أن يضيفها استخدام اللغة الفصحى. الحوارات العامية قد تخدم الواقعية، لكن السرد بالعامية قد يُفقد العمل عمقه الأدبي وجديته.
نقص المرجعية والتأصيل
• عدم وجود مرجعية موحدة على عكس الفصحى التي لها معاجم وقواعد نحوية وصرفية راسخة، تفتقر العاميات إلى مرجعية موحدة. هذا يجعل الكتابة بها عرضة للاجتهادات الشخصية، وقد يؤدي إلى اختلاف في الهجاء والقواعد بين كاتب وآخر، مما يزيد من صعوبة القراءة والفهم.
• فقدان الربط بالتراث لأن اللغة الفصحى هي لغة التراث العربي والإسلامي الضخم. الكتابة بالعامية تفصل العمل الأدبي عن هذا التراث الغني، وتحد من قدرة القارئ على فهمه والتفاعل معه.
باختصار، بينما تمنح العامية واقعية وعفوية، فإن استخدامها المفرط في فنون الأدب، وخاصة السرد، قد يحد من انتشار العمل، ويؤثر على جودته اللغوية والفنية، وقد يساهم في إضعاف مكانة اللغة العربية الفصحى.