كانت الدنيا زحمة جداً، صحافة وتليفزيون كلهم عايزين ياخدوا سبق صحفي، بس أنا والقوات دخلنا القسم بسرعة ومسبناش أي فرصة لأي حد يتكلم معانا. دخلت المكتب بتاعي، والمعاون كان معايا، حطينا مسجل التليفون واللاب على المكتب وطلبنا قهوة.
لقيت العسكري دخل عليا وبيقولي: "فيه ست برة بتقول إنها صاحبة الممثلة اللي انتحرت وهي عايزة تدلي بأقوالها".
هزيت له رأسي بالموافقة وشورت له بإيدي علشان يدخلها، وقولت للمعاون: "خد الكاميرات وتسجيلات التليفون اعملهم تفريغ وشوف دكتور الطب الشرعي وصل لإيه".
قال لي وهو بياخد الكاميرات والتسجيل: "تمام يا أفندم".
دخلت ست في أوائل الأربعين، وشعرها أحمر و قصير، وكانت منهارة من العياط.
قولت لها وأنا بديها ميه وبشاور ليها تعد: "اهدي بس علشان أفهم عايزة تقوليلي إيه، وياريت تعرفيني باسمك وسنك وتقربي إيه للمرحومة".
قالت لي وهي بتحط الميه على المكتب: "أنا هدى الباز، عندي ٤٣ سنة، صاحبة زوزو الانتيم من ساعة ما جت دبي من ١٠ سنين واحنا مش بنفترق".
قولت لها وأنا بسند على الكرسي: "اتعرفتي عليها إزاي؟".
قالت لي بحزن: "هي جت دبي علشان كان عندها مشاكل في رجلها وضهرها بسبب حادثة حصلت في آخر عمل ليها، واتقابلنا عند الدكتور وهناك اتعرفت عليها ومن بعدها بقينا أصحاب".
قولت لها وأنا بشرب القهوة: "والنهاردة كنتي عندها؟".
قالت لي وهي بتعيط: "ياريتني ما نزلت وسيبتها في الحالة دي".
قولت لها باهتمام: "حالة إيه؟".
قالت لي: "هي مرت بمرحلة صعبة أوي أوي، العلاج اللي كانت بتاخده عشان رجلها وضهرها فيه كورتيزون، وده خلا وزنها يزيد أوي أوي، وصلها إن يجيلها اكتئاب واعتزلت العالم، حتى أنا أوقات كانت بترفض تقابلني".
قولت لها وأنا بولع سيجارة: "وخدت بقى علاج للاكتئاب ده ولا لأ؟".
بصيت لي وقالت: "هي راحت لدكتور نفسي أنا اللي قولتلها عليه وتابعت معاه، بس بقالها شهر مش بتروح، ويوم الحادثة...".
بصيت لها وقلت: "سكتي ليه؟ حصل إيه يوم الحادثة؟".
قالت لي وهي زعلانة: "الدكتور اتصل بيا علشان عارف إني صحبتها، وقال لي إن بقالها أكتر من شهر مش بتروح وده غلط عليها لأنها لو وقفت العلاج مرة واحدة كده هتتنكس وتبقى حالتها أسوأ من الأول".
قمت وأعدت قدامها وقلت: "تمام جداً، وإنتي عملتي إيه لما عرفتي؟ وياريت تقوليلي كل اللي حصل بالتفصيل ".
قالت لي: "رحتلها وضربت الجرس كتير اوي اوي فتحت بعد مده وكان شكلها تعبان وتحت عينها اسمر وكنت مضايقة أوي منها علشان خبت عليا، وكمان كان بقالها فترة ما بتردش على تليفوناتي".
قولت لها باستغراب: "ولما رحتي، اتخانقتوا بقى ووقعت من البلكونه؟".
بصيت لي وهي بتنفي: "لا خالص، هي فتحت لي، كانت هادية جداً، بس اول ما بدأت اتكلم معاها انها لازم ترجع للدكتور النفسي اتعصبت اوي وقالتلي انها مش هتروح تاني وأنها خلاص هترجع مصر وهترجع للتمثيل اللي بتحبه
قمت وقفت وقلت: "وانتي قولتلها ايه؟".
قالت لي وهي موطية: " أنا قولتلها أن مفيش مانع ترجع تمثل وانا اصلا كنت بتحايل عليها كتير اوي تندمج مع الناس وترجع تمثل وكان بيجيلها عروض في دبي ومصر وهي اللي كانت بترفض ترجع وهي تخينه بس لازم تكمل علاجها وتقلل الجرعات بالتدريج حسب ما يقولها الدكتور بس اتعصبت اوي اوي ودخلت عملت ليها قهوه علشان تهدى وهي كانت بتصرخ وبتعيط وبتقول أنها غلطانه انها راحت لدكتور نفسي من الاول
رجعت على المكتب وقلت: "وبعد ما صرخت، عملتي إيه؟".
قالت لي وهي بتمسك كوبايه الميه تشرب منها: "حاولت بكل الطرق أهديها، حتى القهوه مردتش تشربها وزقتني فعرفتها اني هنزل اجيب ليها العلاج ولازم تاخده حتى لو بالعافيه".
بصيت لها باهتمام وقلت: "وبعدين، نزلتي ؟".
قالت لي: "نزلت وكنت سيباها بتعيط ولسه هكلم الدكتور احكيله واشوف هيقولي ايه سمعت صوت صريخ الناس وهم بيقولوا الفنانه انتحرت .
قولت لها وأنا بشمر كمام القميص: "قوليلي لما نزلتي سيبتي الباب مفتوح ؟".
قالت لي وهي بتعيط: "أيوه، كنت خايفه لما ارجع مترداش تفتحلي، لما سمعت صريخ الناس كنت بقول اكيد مش هي رحت ببص لقيتها هي، منظر بشع، آخر حاجة كنت أتوقعها إنها تعمل كده في نفسها".
بصيت لها وقلت: "بس غريبة أوي إنها مبطلة العلاج من شهر ومتنتحرش إلا بعد ما زورتيها".
مسحت دموعها وقالت: "مش عارفة، الموضوع صدفة، ويمكن أنا لما ضغطت عليها علشان كنت عايزاها تاخد العلاج، مش عارفة يا بيه، ياريتني سيبتها ومقلتلهاش لازم تاخد العلاج".
قولت لها: "طب قولي لي يا أستاذة هدى، متعرفيش حد كانت بتكلمه في دبي غيرك أو من مصر، تحكي معاه أو يعرف أخبارها؟".
بصيت لي وقالت: "في دبي مفيش غيري أنا والدكتور النفسي، إنما في مصر كتير كانوا بيكلموها من الفنانين، بس لما بيكلموها كانت بتزعل أكتر".
بصيت ليها باستغراب وقلت: "ليه كانت بتزعل؟".
قالت لي: "لأنهم كل شوية يقولولها لازم ترجعي، وهي مكنتش حابة حد يشوفها بعد ما تخنت أوي، فكانت بتكتئب أكتر".
حطيت رجل على رجل وقلت: "بس غريب، في خلال العشر سنين دي، منزلتش مصر ولا مرة."
قالت لي بحزن: "كانت بترفض، وعلى طول بتقول إنها مستحيل تنزل، ويشوفوها بالشكل ده. حتى هنا مكنتش بتخرج خالص إلا لما تكون مضطرة تنزل. كانت تلبس إيشارب ونظارة علشان محدش يعرفها."
قلت لها: "تمام يا أستاذة هدى، ياريت بس متسافريش ولا تخرجي بره البلد الفترة دي علشان لما نحتاجك في أي وقت نلاقيكي."
قالت لي وهي بتقوم: "طب يا بيه، مش هنستلم الجثة علشان ندفنها ونعملها جنازة تليق بتاريخها الفني."
قلت لها وأنا برفع سماعة التليفون: "مش هينفع دلوقتي خالص، فيه إجراءات الأول لازم تتعمل قبل الخطوة دي."
مشيت وأول ما قفلت الباب