كثيرًا ما نُرهق أنفسنا في دوائر من العتاب المتكرّر، نظنّ أننا بالكلمات نستطيع إصلاح ما انكسر، أو إعادة تشكيل من لا يشبهنا ليصبح كما نأمل. لكن الحقيقة التي كثيرًا ما نتجاهلها أن العتاب، وإن كان دليل محبة، لا يصنع تغييرًا فيمن لا يريد أن يتغيّر.
العتاب لا يُغير طباعًا متأصّلة، ولا يزرع الإحساس في قلبٍ غافل، ولا يمنح النُضج لمن لم يطلبه. هو مجرّد صوت منّا نحاول به أن نقول: "أنا أتأذّى مما تفعل". فإن سمعه الطرف الآخر بقلبٍ واعٍ، قد يكون بداية تقارب. وإن لم يسمعه إلا كصوت عابر، فلا فائدة من تكراره.
ومع الوقت، نُدرك أن المشكلة ليست فقط في "ما يفعلونه"، بل في أننا نظن أنهم مثلنا. نحمّلهم على ميزاننا، ونقيس ردود أفعالهم على مشاعرنا، ونتوقّع منهم أن يشعروا كما نشعر. وهنا تبدأ خيبات الظن.
فالذين لا يشبهوننا، لن يصبحوا مثلنا مهما اجتهدنا في شرح أنفسنا. من لا يرى الأمور بعينك، لن يُقدّر ألمك ولو شرحت له ألف مرة. من لا يحمل نفس تردد قلبك، سيظل خارج المعنى مهما اقترب شكليًا.
ليس من الكرامة أن تُضيّع وقتك في إقناع من لا يشبهك بالبقاء. وليس من الوفاء أن تستنزف قلبك في محاولات إصلاح طرف لا يرى خطأه أصلًا.
توقّف عن العتاب المستمر...
توقّف عن تقمص دور المُنقذ العاطفي...
واختر ببصيرتك لا بعاطفتك.
الحب وحده لا يكفي.
والنية الطيبة لا تُغيّر من لا يُريد أن يتغيّر.
والاختلاف بين الأرواح لا يُجبر بمحاولة التقارب القسري.
اختر من يشبهك. من تُشبه ملامحه ملامح قلبك. من يفهم صمتك كما يسمع صوتك. من لا يحتاج لعتابك ليُدرك ألمك.
وفي النهاية...
كن صادقًا مع نفسك، لا قاسيًا على نفسك.
ولا تهدر وقتك في إعادة تشكيل من خُلقوا بنمط مختلف تمامًا عنك.
ودمتم بخير---