مسوغات التفريق بين الزوجين لسوء العشرة عند المالكية :
في أكثر من آية كريمة ينص القرآن الكريم على وجوب أن يعاشر الزوج زوجه بالمعروف ، ويكفي أن نذكر هنا قوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف " وقوله " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف "
ففي تفسير الآية يقول ابن كثير : أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها فافعل أنت مثله .
فعلى الزوج أن يكون لطيفا مع زوجه مهذبا في أقواله وأفعاله بل وهيأته ولباسه ، حتى يوصف بكونه حسن العشرة .
ومن ثم ، فإن أي أذى يلحق بالزوجة من قبل زوجها ، ولو كان يرجع إلى عدم اعتنائه بهيئته ولباسه وطيب رائحته مثلا ، فهو من سوء العشرة ، فمابالنا إذا كان هذا الأذى قوليا أو سلوكيا ، ولو بأقل مايمكن أن تتأذى به ،لاسيما إذا كانت من ذوات الإقدار ، اللواتي لايتحملن أقل كلمة يمكن أن توجه إليهن ،يشتم منها رائحة الإهانة أو البذاء ؟
ومع ذلك نرى جمهور الفقهاء أو أكثرهم لايبيحون للزوجة طلب التفريق لسوء العشرة ، قالوا : لأن الحياة الزوجية لاتخلو من كثير من الأقوال والتصرفات الطائشة بدافع من الغضب أوالانفعال ، فإذا قلنا بالتفريق لمثل هذه الأقوال أو التصرفات ، نكون قد وسعنا من دائرة الطلاق ، وهو ماينافي مقصد الشريعة في حفظ النظام الأسري .
ولكن فقهاء المالكية ذوي الاهتمام بالبعد المقاصدي الإنساني في أصولهم وفروعهم -والذين ترعرع علم مقاصد الشريعة على يد إمام من أئمتهم وهو الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى - يجيزون للزوجة حق طلب التفريق لسوء العشرة ، ولو بأقل مايمكن أن تتأذى به ، قالوا لما يؤدي إليه سوء العشرة من خلل في مقصود النكاح من الألفة وحسن العشرة .
ولقد توسع بعض الفقهاء المتأخرين منهم في الأسباب المبيحة لطلب التفريق لسوء العشرة ، حتى عد ابن فرحون المالكي تحويل الزوج وجهه عن زوجه في الفراش من الضرر الذي يبيح لها طلب التفريق لسوء العشرة
قال " ومن الضرر قطع كلامه عنها وتحويل وجهه عنها في الفراش ، وإيثار امرأة عليها ، وضربها ضربا مؤلما " ينظر : مواهب الجليل للحطاب ١٧/٤
ويرى الشيخ الدردير "أبو البركات "أن سوء عشرة الزوج لزوجه يوجب التأديب زيادة على التطليق .
قال "ولها التطليق للضرر بارتكابه مالايجوز شرعا ، كهجرها بلاموجب شرعي ، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها .
قال (ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق ) ينظر :الشرح الكبيز ٢/ ٣٤٥
تأملوا ، من يسب زوجته مثلا يؤدب بالإضافة إلى التطليق !!!
ويعيب الفقيه المالكي المعروف ابن العربي على من لايبيحون التفريق لسوء العشرة ، فيقول : هذا نظر قاصر يتصور في عقود الأموال ، أما عقود الأبدان - يعني عقود الزواج - فلا تتم إلا بالاتفاق والتآلف وحسن التعاشر ، فإذا فقد ذلك لم يكن لبقاء عقد الزواج وجه ، وكانت المصلحة في الفرقة …
كما يرى أن هذه الفرقة لابد أن تكون طلقة بائنة ، قال : ولو شرعت فيه الرجعة لعاد الشقاق كما كان ، فلا يفيد شيئا فامتنعت الرجعة لأجله .ينظر : أحكام القرآن ١/ ٤٢٦
وبرأي المالكية أخذ القانون المصري رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩
إلا إنه يقصر حق التطليق للضرر على ما إذا كان من نوع الضرر الذي لايستطاع معه دوام العشرة بين الزوجين .
ولكن يبقى أن تفاوت الأعراف والبيئات والثقافات والمستوى التعليمي والوظيفى ، يجعل هذا الضابط القانوني " الضرر الذي لايستطاع معه دوام العشرة " متفاوتا بين زوجة وأخرى ، فما تراه زوجة من اليسير الذي يغتفر ، تراه أخرى إهانة كبرى لايزيل غصتها إلا الفراق.
ومن ثم ، فالأمر في النهاية في القانون ، سوف يخضع لتقدير القاضي .
أما فقها، ووفق رأي المالكية : فكل ضرر يقع على الزوجة مهما قل ، يبيح لها حق طلب التفريق ،لهذا المعنى الإنساني الراقي والرائق الذي سبق نقله عن فقيههم ابن العربي المالكي " إذا فقد حسن التآلف والتعاشر بين الزوجين لم يكن لبقاء عقد الزوجية بينهما وجه "
حقيقة ، هذا الكلام ومثله الكثير من درر تراثنا أكثرنا لايعلمه ، وكأن هناك تعمدا لحجب كل ماهو إنساني ، خاصة إذا كان لصالح المرأة .