أوّل ما قد يجعلني أغلق الكتاب بلا تردّد، هو أن أجد أخطاء في المعلومات في كتاب يفترض أنه قائم على حقائق لا خيال. فحين أقبل على كتاب علمي أو تاريخي أو واقعي، أنا لا أقرأ لمجرّد التسلية، بل لأعرف وأتعلّم. فإذا انكشفت لي أخطاء فادحة، تتلاشى الثقة، وتنطفئ الحماسة.
ثاني المواقف التي تُربك علاقتي بالكتاب حين يحاول الكاتب التعبير عن الصوت العالي أو الغضب بطريقة أقرب لمحادثات الدردشة مثل:
(يا مررررررررريم)
أو الضحك المكتوب بهذا الشكل:
(ههههههههه)
هذا الأسلوب يخرجني من أجواء الرواية إلى شاشة الموبايل. يكفي أن يقول الكاتب: صرخت قائلة: يا مريم، وسيفهم القارئ المشهد دون تشويه النص أو إفلات لغته من رصانتها الجمالية.
أما الضربة القاضية التي تطيح بأروع الأفكار فهي الاستعراض المبالغ فيه للبلاغة. كثيرون يمتلكون لغة مذهلة، واستعارات تبهر العين قبل العقل، لكنهم ينسون الغاية الأساسية: الرواية أحداث قبل أن تكون عروضًا لغوية.
حين تتحول كل جملة إلى زينة، وكل وصف إلى معرض فني، يتوه القارئ. لا يعود يرى القصة، بل يرى الكاتب يحاول إثبات عبقريته. ومهما كانت الفكرة رائعة، فإن الإكثار من التزويق يجعلنا ننسى الأحداث ونتوه في المتاهة.
كتاب كان يمكن أن يتنفس في 200 صفحة قد يجد نفسه محشورًا في 500، وكل ذلك لأن البلاغة قررت أن تستولي على المساحة.
في النهاية، الكتاب الناجح هو ذلك الذي يجد توازنًا ذهبيًا بين جمال العبارة ووضوح الفكرة؛ بين الموسيقى اللغوية ودفقة السرد؛ بين ما يدهشنا وما يقنعنا. فليس المطلوب أن نقرأ كتابًا باردًا خالٍ من الروح، ولا كتابًا يتدلّى كعقد طويل من الزخارف التي لا تُطاق.






































