الصفات الجمالية فى الإبل ::
من المزايا التى يتمتع بها الجمل أنسجة الخف ، التى تحتفظ بجزيئات الماء فى شكل سلاسل ملتفة حول بعضها ، يمتصها الدم عند الحاجة و الضرورة فتنفك السلاسل .
كما أن ارتفاع الجمل و حول قوائمه يبعد جسمه عن ذرات الرمال المتحركة تحته ، كما أن طول عنقه الشامخة إلى أعلى بالإضافة إلى تغطية جفن العين برموش طويلة ، و صغر الأذن و تغطيتها بالشعر ، و شق الأنف بدلاً من المنخار المعروف فى الكثير من الحيوانات ، و اكتساء جسمه بالوبر ، و انعدام الغدد العرقية فى جلد الجمل إلا على السطح البطني و خفه الأسفنجى اللين الذي يساعده فى السير على الرمال ، و كل هذه الميزات جعلت من الجمل حيواناً مع البيئة الصحراوية و يستحق لقب [[ سفينة الصحراء ]] عن جدارة
كذلك الجمل المرتفع القامة ذو القوائم الطويلة فى شكل أحادي لا تخطئ ، و بعنقه الطويل ،و شكل رأسه ، و شق منخاره ، و بقمة سنامه .
هذا بالإضافة إلى تميز الإبل عن بقية الأنعام و الحيوان عموماً عن فوائد عديدة للإنسان .
الناقة فىالشعر الجاهلي :
لم يلق حيوان اهتماماً ، لدي الشعراء فى العصر الجاهلي ، مثل ما لاقت الناقة ، إذ قلما تخلو قصيدة من ذكر لها ، سواء كان وصفاً مباشراً أم تشبيهاً لحيوانات أخري بها.
و لا ريب أن هذه الأهمية أتت من طبيعة الحياة آنذاك ، ففى تلك الصحاري المترامية الأطراف فى الجزيرة العربية ، لا توجد وسيلة لاختراقها و التنقل عبرها إلا الناقة ، فضلاً عما يستفيده العربي من لحمها و لبنها ووبرها ، فى تلك الأرض الشحيحة الرزق القليلة العطاء .
فلا يستغرب بعد ذلك أن يعدها أثمن ما لديه من مقتنيات ، و أن يجعلها دائماً نصب عينيه لا يفرط بها مهما كانت الأسباب ، و ما أكثر ما كانت تقوم الخلافات حولها ، و ما أكثر المعارك التى احتدمت من اجل الاستيلاء عليها ، و لما كانت للناقة تلك المكانة ، فى نفوس العرب الجاهلين ، فقد جعلها الشعراء مدار وصفهم تارة و مدار فخرهم تارة أخرى .
و لعل خير شاهد نجده على ذلك قول أبى رؤاد الإيادي ::
إبلي الإبل لا يحوزها الراعون مج الندى عليها المدام .
سمنت فاستحش أكرعها إلا النى م نى و لا السنام سنام .
فإذا أقبلت تقول : إكام مشرفات : بين الإكام إكام .
و إذا أعرضت تقول : قصور من سماهيج فوقها آطام .
و إذا ما فجئتها بطن غيب قلت : نخل قدحان منها صرام .
أرأيت إلى شاعرنا كيف صور لنا نوقه مفتخراً بها ؟ إنها إبل نادرة الوجود و المثال ، يحسبها حيناً تلالاً مرتفعة ، و حينا قصور جزيرة سماهيج المشتهرة بكبر حجمها ، و حيناً أشجار نخيل قد ناءت بثقل أثمارها .
العزاء و السلوان ::
أما إذا اشتدت الهموم و الأتراح على ذات العربي ، و أراد الهروب بعيداً عما أثاره ، فانه لا يجد إلا الناقة ملجأ له و سفينة لخلاصه ، فسرعان ما يمتطيها و يضرب بها عرض الصحراء ، عل يجد العزاء و السلوان ، و قد عبر الشعراء عن هذا الهروب بالناقة اصدق تعبير ، نجد ذلك واضحاً فى وقوف الشاعر على الأطلال و بكائه لديار الأحبة و ما تبعثه الذكرى فى ذاته من حسرات حرى لا يجد مفراً منها إلا اعتلاء ناقته و الغوص بها فى لجة الصحراء .
و عند قراءتنا لشعر الأطلال فإننا ، غالياً ما تطالعنا عبرات من قبل :: "" فدع ذا "" و ""عد عما تري ""و أمثالهما ، ثم يعقبها مباشرة وصف للناقة التى ارتحل عليها ، و للصحراء التى قطعها ، نحو قول النابغة الذبياني فى معلقته ، بعد أن وصف الأطلال و ما أحدثته فى نفسه : فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له : و أنم القتود على عبراته أجد و لا تخلص الناقة المرء من همومه و أحزانه فحسب ، و إنما تكون أحيانا وسيلة الخلاص من أسر الحب أيضا ، مما يدفعنا أن نتساءل أيمكن أن تكون الناقة معادلا للحبيبة فى ذات العربي ؟
و لعل متمم بن نويرة يعدها كذلك حينما يقول ::
صرمت زنيبة حبل من لا يقطع حبل الخليل و للأمانة تفجع.
جدي حبالك يا زينب فإنني قد استبد بوصل من هو أقطع.
و لقد قطعت الوصل يوم خلاجه و أخو الصريمة فى الأمور المزمع.
بمجدة عنس كأن سراتها فدن تطيف به النبيط مرفع.
قربتها للرحل لما اعتادني سفرأهم به و أمر مجمع.
إذا فالشاعر قد قطع وصل حبيبته ، و استبد له بناقة تخالها قصراً عظيماً يطوف به الأعاجم لروعته ، فكانت هذه الناقة البديل الذي عوض الشاعر عن الهجر و الحرمان .
و قد تطول الرحلة أياما عدة ، و ليس للعربي فيها من ملجأ يأوي إليه إلا ناقته فهى ظله فى الهجير و مهجعه حين المبيت
فالشاعر زهير بن أبى سلمى يقطع الفيافى و القفار ممتطياً ناقته ، فإذا ما داهمه النعاس تشبث بها ، لأنها ملاذه الوحيد فى تلك الصحراء .
و تنوفة عمياء لا يجتازها إلا المشيع ذو الفؤاد الهادي.
قفر هجعت بها و ليست بنائم و ذراع ملقيه الجران و سادى .
و عرفت أن ليست بدار تئية فكصفقة بالكف كان رقادي .
و إذا كان نوم زهير على ناقته كصفقة كف فإن المثقب العبدي ينام ملء جفونه متوسداً ناقته ، التى تقتدى بصاحبها و تنام هى أيضا ، غير مهتمة بما عليها من أحمال و أثقال .
فبت و باتت بالتنوفة ناقتى و بات عليها صفنتى و قتودها .
و أغضت ، كما أغضيت عينى فغرست على الثفنات و الجران هجودها .
الآهات و تلاقى المشاعر :
و يبلغ الاندماج بين المرء و ناقته أن يصل به الأمر إلى الشعور بما ينتابها من إحساس ، و لم لا ؟؟ و هى رفيقة الحل و الترحال ، تصاحبه ليلاً و نهاراً و لاسيما أن حياة العربي تدعوه إلى التنقل باستمرار بحثاً عن الكلأ و المرعي ، أو ارتياداً للملوك و السلاطين و سادة القبائل ، و إذا كان شاعراً ، لينثر أمامهم روائع نظمه و إبداعه ، و لينال منهم الجوائز و الهبات ، و غالباً ما يكون مسوغه أمام الممدوح ما أصاب ناقته من جهد ووهن ، و ما لحقتها من تعب و كلال فى اجتيازها الصحراء و الجبال .
و حينما يبلغ الجهد من الناقة مبلغه فإن رغاءها يرتفع و أنينها يعلو ، و تتجه إلى صاحبها بالشكوى ، فتصل الآهات إلى أعماق النفس ، و تتلاقي المشاعر ، و تزول الحواجز بين الإنسان و الحيوان ، فتغدو الناقة إنسانا يستطيع التعبير عن همومه و أحزانه ، يصور لنا ذلك المثقب العبدى فى هذا المشهد الإنساني الخلاب.
غدت قوداء منشقاً نساها تجا سر بالنخاع و الوتين تقول اذا درأت لها وضيني أهذا دينه أبدا و ديني ؟
أكل الدهر حل و ارتحال أما يبقي على و ما يقينى ؟
أما ناقة الأعشي فلكثرة ما أصابها من المشقة و الجهد أخذت تئن و تشكو لصاحبها ، و كأنها قد أصابها الهذيان ، فبدت مثل إنسان قد أصيب بالحمى ، و لزمته طويلاً ، فإذا ما ألمت به كثر أنينه و تعالت شكواه .
أكللتها بعد المراح فآل من أصلابها
فشكت إلى كلالها و الجهد من أتعابها
و كأنها محموم خيبر -م – سبل من أوصابها .
لعبت به الحمى سنين - م – و كان من أصحابها .
التواصل الرمزى بين المرء و الحيوان ::
إذاً فقد تم التواصل الرمزى و التعبيرى بين المرء و الناقة ، و أضحى كل منهما يفهم لغة صاحبه ، فما عليهما بعد ذلك أن يتناجيا و أن يفضي أحدهما للآخر بما يعتلج فى نفسه فذاكم الشاعر المتلمس يسمع شكوى ناقته و حنينها الشديد إلى مراتعها الأولي ، و لكن لم يكن باستطاعته أن يلبى رغبتها ، فقد طرده الملك عمرو بن هند و حرم عليه العودة إلى موطنه .
و لا غرو فى أن حنين الشاعر إلى أرضه يضاهي حنين ناقته ، غير أنه يحاول من خلال مناجاته لها ، أن يخفف ما انتابها من ألم و لوعة الفراق.
حنت قلوصى و الليل مطرق بعد الهدوء و شاقتها النواقيس .
مقصولة ينظر التشريق راكبها كأنها من هوى للرمل مسلوس .
أنى طربت و لم تلحى على طرب و دون إلفك أمرات أما ليس .
حنت إلى نخلة القصوى فقلت لها : تسل عليك ألا تلك الدهاريس .
فقد اشتد بالناقة الحنين إلى الوطن ، و غدت ملهوفة كأنها قد سلبت العقل ، و لكن كيف الوصول إلى الأحباب و الأصحاب ، و بينهم مفازات واسعة و فلوات رحيبة ؟ إنها تحن إلى نخلة القصوى لكنها محرمة على الشاعر ، و فى الوقت ذاته فهى محرمة على ناقته.
و ثمة حالات تحن فيها الناقة إلى موطنها الأول فى رحلة هروب من فتاته التى لم تمنحه حباً خالصاً ، كما هو شأن عبيد بن الأبرص الذي آلى على نفسه أن يظل بعيداً عن ديار الحبيبة ، و زعم لناقته أن تلك الديار أصبحت بغيضة إلى قلبه ، و لكن أنى للناقة أن تصدق هذا الافتراء المزعوم ،
وهنت قلوصي بعد وهن و هاجها مع الشوق يوماً بالحجاز وميض .
فقلت لها لا تضجري إن منزلاً نأتنى به هند إلى بغيض .
و قد تدفع أسباب العيش بالشاعر بعيداً عن موطن القبيلة بحثاً عن موارد الرزق ، فيظل متنقلاً من مكان إلى آخر ، مصاحباً فى غربته ناقته رفيقة حله و ترحاله .
فإذا ما طال السفر ، و بعدت الشقة ، و انبعث الحنين فى النفوس ، شرعت الناقة تناجى الشاعر بأصوات هامسة ، تعبر فيها عن لوائج الشوق إلى مراتع الصبا ، فإذا الشاعر أكثر حنيناً و اشد شوقا ، يعبر عن ذلك دوسر بن ذهيل فيقول :::
و حنت قلوصى من عدان إلى نجد و لم ينسها أوطانها قدم العهد .
و أن الذي لاقيت ، فى القلب مثله إلى آل نجد من غليل ومن وجد .
توحد الانصهار الوجدانى :
أما الشاعر سبيع بن الخطيم فإنه يزجر ناقته حينما تعالت أصواتها شوقاً و حنيناً إلى ارض القبلة ، بعد أن طال التنقل و التجوال ، غير أنه ما يلبث أن يكف عن زجرها و يشاركها شوقها و حنينها ، عندما يرى عبراتها تتناثر ألماً و حرقه .
و ما دموع الناقة إلا دموع الشاعر نفسه ، بعد أن انصهر فى حالة وجدانية مع ناقته :
إما ترى إبلي كأن صدورها قصب بأيدى الزامرين مجوف.
فرجرتها لما أذيت بسجرهاوقفا الحنين تجرر و صريف .
فاقنى حياءك إن ربك همه من بين حزرة و الثوير طفيف .
فاستعجمت و تتابعت عبراتها إن الكريم لما ألم عروف .
لقد اتخذ العربي ناقته صاحباً و رفيقاً ، و خلع عليها من مشاعره و أحاسيسه ما جعلها تتصف بالصفات الإنسانية ، فتشكو و تتأوه ، و تشعر بالغربة و الحنين إلى الوطن ، و تناجى صاحبها و تحاوره .
و قد صور الشعر هذه الصلة الإنسانية الوشيجة ، بين الإنسان و ناقته ، اصدق تصوير مما يسمو به إلى أن يكون متبوءاً فى الشعر الإنسانى الخالد .. لذا فالحيوان يحس كما نحس و يتألم كما نتألم و يبكي كما نبكي لكنه بكاء بغير دموع .
تذكرة
القرآن و عالم الحيوان – عبد الرحمن محمد حامد
تأملات فى العلاقة بين الإنسان و الإبل – دكتور كمال فضل السيد الخليفة – المركز القومي للبحوث – السودان 1995 م
مجلة الأمة العدد 23 – السنة الثانية – الدوحة – قطر 1982 م هل سر الجمل فى سنامه ؟ توفيق يوسف القيس
الشعر و الشعراء لابن قتيبة – القاهرة ج أ ص 2390
شرح ديوان زهير بن أبى سلمى : الثعلب – القاهرة ص 330
شرح المفضليات : لابن الأنبارى – بيروت ص 63 ، ص 727
ديوان المثقب العبدى : معهد المخطوطات العربية ص 90 ، ص 192
ديوان المتلمس ص 82 معهد المخطوطات العربية
الأصمعيات : القاهرة ص 150 .
 
 


























 
  هند حمدي عبد الكريم السيد
 هند حمدي عبد الكريم السيد 
  
  أيمن موسي أحمد موسي
 أيمن موسي أحمد موسي نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
 نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري د. نهله فتحي بيومي حموده
 د. نهله فتحي بيومي حموده يوستينا الفي قلادة برسوم
 يوستينا الفي قلادة برسوم آمال محمد صالح احمد
 آمال محمد صالح احمد احسين احمد الشريف بن قرين درمشاكي
 احسين احمد الشريف بن قرين درمشاكي دعاء محمد علي الشاهد
 دعاء محمد علي الشاهد د. سمر ابراهيم ابراهيم السيد
 د. سمر ابراهيم ابراهيم السيد د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
 د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي  د. عبد الوهاب المتولي بدر
 د. عبد الوهاب المتولي بدر  د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
 د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر  ياسر محمود سلمي
 ياسر محمود سلمي  زينب حمدي
 زينب حمدي  حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
 حنان صلاح الدين محمد أبو العنين  د. شيماء أحمد عمارة
 د. شيماء أحمد عمارة  د. نهى فؤاد محمد رشاد
 د. نهى فؤاد محمد رشاد  فيروز أكرم القطلبي
 فيروز أكرم القطلبي 

 1
1
 -1
-1


































