تداولت وسائل الأنباء الإعلامية أنباءً عن بدء تفاوض غير مباشر في واشنطن بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، برعاية الآلية الرباعية. وانتشر الخبر في أرجاء المنطقة بين مرحِّبٍ به بوصفه خطوة نحو تحقيق السلام، وبين رافضٍ له، وهذا الرأي يعود إلى معسكر دعاة الحسم العسكري، ومعظمهم من داعمي القوات المسلحة، تقديرات الحرب الجارية يمكن أن تُحدث أي عملية هنا وهناك، لكن علينا أولًا وضع حقائق ونقاط مهمة يفهمها الرأي العام، وحتى دعاة الحسم العسكري أنفسهم، عليهم أن يعوا ماهية واستمرار الحرب حتى لا يقعوا في بئر دعمهم بغباء وتبعية، دون فهمٍ لمسار الحرب. إذا رجعنا إلى أغسطس 2024، وبعد توقف اتفاق جدة الذي خرقه الدعم السريع منذ الجولات الأولى، فقد بُذلت جهود دولية ومحلية أفضت إلى مبادرة اتفاق جنيف، وراج الخبر حينها بوصول طرفي التفاوض إلى مقر التفاوض، لكنها كانت أخبارًا غير صحيحة، صُدمنا بوسائل وقنوات ووكالات أنباء تنشر دون التحقق من صحة الأخبار، بل تتعامل مع الواقع الإعلامي بغير مهنية ومصداقية، وهذا ما يحدث الآن. وقد كشف ذلك بيان مجلس السيادة الذي نفى بشكل قاطع حدوث أي تفاوض مباشر أو غير مباشر، وهذا يؤكد أن تلك القنوات والوكالات والوسائل الإعلامية تنقل ما تريده جهات محددة، ويمتلكون جرأة نسب الخبر إلى جهات أخرى، وأكثر ما تردد أن الأخبار التي استندوا عليها مصدرها وكالة الخارجية الأمريكية، والمفارقة أنه لم يصدر أي بيان أو تغريدة من الخارجية الأمريكية نفسها، هناك قاعدة متعارف عليها ونؤمن بها: أن أي حربٍ تنتهي بالتفاوض، وهذا هو سلاح وسيف الحرب الأخير إن تحدثنا بلغة العسكر نفسها؛ لكن فرضيات ووقائع حربٍ عن حربٍ أخرى تختلف كثيرًا؛ فـ حرب أبريل فشل المحللون السياسيون في وصفها وصفًا دقيقًا، ومعظمهم رجّح أنها حرب من أجل السلطة، وهذا الرأي — في تقديري — قد فُنّد مع استمرارية الحرب إنّ حرب أبريل جاءت لتضع حدًا لخطأٍ استراتيجي وقعت فيه تقديرات قيادات القوات المسلحة في العام 2013، عندما كوّنت هذه المليشيا، ومكّنتها، ومنحتها صيغة قانونية بالقانون حتى أصبحت قواتًا رسمية تقاتل جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة وتتبع لوزارة الدفاع السودانية. وهذا القرار في تقديري جاء بشكلٍ ارتجالي غير مدروس، كأن الغرض منه نكايةً بالحركات المسلحة والأحزاب المدنية، لتزيد قوة الدكتاتور العسكري في قمع الأحزاب المدنية متى ما كان ذلك واجبًا له، ومع مرور الوقت، زاد نفوذ قوات الدعم السريع وتمكّنت عسكريًا واقتصاديًا حتى وصلت إلى نفوذٍ سياسي لم تتوقع قياداتها أن تحظى به. لكن من لا يفهم فرضيات العمل السياسي يُصاب في منتصف الطريق، ويتعثر ويفشل حتى في خطط استمراره. فنحن نفهم أنّ الحرب مهما كانت خطورتها سوف تنتهي بالتفاوض.
في خضم ذلك الصراع والتخبط، وفشل التحليل، والضغوطات، والجهود السياسية المبذولة هنا وهناك — من أحزاب مدنية، ومنظمات مجتمع دولي، ووكالات دولية، وحتى مبادرات الشعب السوداني الرامية للتفاوض والسلام — أرى أن قيادات القوات المسلحة، ممثلة في القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، يفهمون معنى التفاوض وما يمكن أن يُفاوض من أجله، بوصفه رئيس دولة وقائد جيش. هذا ما أظهرته خطاباته التي تحولت في الفترة الحالية نحو رغبة قيادات الجيش وقيادات الحكومة في عملية التفاوض، لكنه تفاوض مشروط بشروطٍ واضحة، من أجل الوصول إلى تفاوضٍ يُرضي تطلعات الشعب السوداني الذي سلّم قيادات الجيش الحالية دولة مكتملة فلا يمكن قيام أي عملية تفاوض من غير تسليم أي منطقة في يد قوات التمرد أو أي حركة عسكرية أخرى إلى الجيش السوداني، وأي مواطن من حقه مطالبة الجيش بتحرير كل المناطق التي سيطر عليها الدعم السريع. حدوث ذلك يجعل التفاوض في حدود المنطق والمعقول، وإلا فإن التفاوض لا يخرج عن النقاط الآتية:
ـ عودة الدعم السريع مرة أخرى كقوات عسكرية تقاتل مع الجيش كتفًا بكتف، حتى لو بقيادة جديدة (وده من المستحيلات).
٢ ـ دخول الجيش في صراعٍ سياسي جديد مع الشعب، وليس مع أي تحالف سياسي آخر أو مع أي جهة ثانية.
٣ ـ اعتراف الجيش ضمنيًا بحكومة تأسيس، وإن حدث، فهذه نقطة تُعرقل سير التفاوض وتقوّي موقف الدعم السريع.
٤ ـ توجيه تهمٍ مباشرة للجيش والدعم السريع معًا بجرائم حرب.
٥ ـ صراع جديد يلوح في الأفق حول أيلولة قيادة الدولة: للجيش أم للدعم السريع، في ملف دمج الحكومتين في حكومة واحدة.
٦ ـ مطالبة الدعم السريع بوزارة الدفاع كنقطة تفاوض مهمة وكرتٍ رابحٍ سوف يستخدمه لا محالة،
أمّا مسائل الهدنة ووقف القتال والحرب فأستبعد أن تُطرح في الوقت الراهن، فكلٌّ من الطرفين يخشى على مصالحه، ويخشى من محاسبة ومساءلة الشعب
سحر حسب الله عبد الجبوري
د. عزة محمد بركة
يوستينا الفي قلادة برسوم
هند حمدي عبد الكريم السيد
ايمان صلاح محمد عبد الواحد
خالد فيصل خالد الخطيب
رهام يوسف معلا
كريمان محمد عبد السلام عفيفي
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
ياسر محمود سلمي
زينب حمدي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 




































