لم تصلي يومًا!
كانت لا تعرف ما الذي عليها قوله أثناء الصلاة، بالأساس هي لا تحفظ سورة أو حتى آية من القرآن، ليس جحودًا ولا نكرانًا؛ وإنما لأنها "أمّيّة" لا تقرأ ولا تكتب، ولم تجد من يعلمها. فكيف لها أن تفعل شيئا لا تفقهه؟
ظلت على حالتها تلك، ولم يحاول أحد مساعدتها، لم تكن هناك جارة تأخذ بيدها لتعلمها الوضوء والطهارة وأركان الصلاة. وكأن الجميع حولها ارتضوا بها كما هي: (صاحبة القلب الأخضر) كما لقّبوها؛ إذ كانت تتعامل مع الجميع على سجيتها، لطالما أنقذتها عفويتها من الوقوع في كوارث ربما لو احتاطت لطالها الأذى.
كنت أراقبها كلما مر عابر سبيل أمام بيتها، أراها تقدم له مما رزقها الله، تكرمه وكأنها تعرفه.
هناك أمامي رصيف طويل بجانب بيتها، تفرش أوراق الجرائد وتضع طبق الجبن القديم والخبز وكوب الشاي الساخن، وما أن يفرغ من الطعام الذي قدمته له ويحتسي الشاي، تسرع في لملمة الأشياء وتعود لمنزلها بمنتهى الهدوء.
(علمتني كيف أفعل الخير ثم أولّي إلى الظل)؛ لكنها لم تصلي!
إذا رأتني على باب منزلي وفي نظرتي حيرة تأتيني مهرولة وتسألني ماذا أريد، أتردد؛ فتقسم عليّ بأغلظ الأيمان أن أخبرها بما أريده، أخبرها طوعًا، تأخذ مني المال وتذهب لتأتيني بما أحتاجه ولا تمل من تكرار طلبي!
(علمتني كيف أرد لهفة المحتاج)؛ لكنها لم تصلي!
وكانت، في بعض الأوقات، تذهب لاصطياد السمك من الترعة المتاخمة للبلدة؛ فإذا أكرمها الله تغدق على جيرانها وتثقل الميزان لمن أراد الشراء وتردد كلمتها المعهودة:
"يا بخت اللي زكاته في بيعه وشراه"
(علمتني أن الفلاح في التزكية)؛ لكنها لم تصلي!
حينما أتذكرها، أقول في نفسي "هي امرأة ذات قلب أخضر.. عاشت بالفطرة.. أحبت الخير.. دون أن تدري أن عليها أن تصلي!"..!








































