رواية سيسو Si-So للر وائي المبدع سميح فتحي صادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع في ٣٤٢ صفحة
بغلاف قاتم يغلب عليه اللون الأسود ويثير في النفس كثيرا من الغموض، وربما انقباض القلب؛ كأنك على أعتاب مشاهدة فيلم رعب وليس قراءته. وكعادة كل شيء مرعب فهو كالنداهة يندهك ويجذبك من تلافيف عقلك تاركا يديك حرتين حتى تعتقد أنك تملك إرادتك، لكنه في الحقيقة سيطر عليك تماما وسخر كل كيانك لتتفاعل معه. بالفعل الموضوع يبدو قاتما لكن لا أدري كيف انتهيت من كل هذا العدد من الصفحات في فترة وجيزة مع كل هذا الكم من المتعة والرضا.
لا تنخدع بالإسم وتعتقد أنه اسم ظريف ولطيف، بل هو من العمق والدلالة التي ستلازمك خطوة خطوة في كل صفحات الرواية حتى تنتهي لفهمه ولو جزئيا في نهاية الرواية.
لن أتحدث عن الإهداء أو الشكر أو الجمل الافتتاحية. لكن سأضعها أمامكم و أتركها تؤثر بكم أو تصدمكم كما فعلت بي.
بدأت الرواية بغموض مستفز ومحفز لكن شابه قليل من الرتابة. سرعان ما تحولت إلى وضوح ثم فهم ثم سعادة ثم انبهار ثم تحليق. بالفعل هذا ما حدث لي. كأن للرواية سماء وأنا أحلق بها بقدر كبير من الانطلاق والحرية. حرية لفهم كل المعاني رغم دقة كثير من الجمل التي تحتاج أن تكرر قراءتها مرات حتى لا تُفَوت المعنى الرائع الذي أنت على يقين من وجوده في خبيئة بين الحروف والكلمات. وما أن تصل لهذا المعنى حتى تشعر بالفخر و التصميم أن تقف عند كل ما سيأتي من جُمل لأنك الفائز في النهاية.
أتعجب بل ألوم على الكاتب كيف أن هذه الرواية الفريدة جداا لم تناقش منذ إطلاقها في معرض القاهرة الدولي وحتى الآن في كبريات محافلنا النقدية العظيمة؟ أين رؤى الأكاديمين والمثقفين منها؟ بل لماذا لم تصل حتى الآن للقائمة القصيرة أو الطويلة بل لِم هي ليست الفائزة بالجائزة الكبرى لأكبر المسابقات الدولية؟ لِم حَرمنا الجميع من هذه المتعة؟ من أين جاء التقصير؟
الفريد فيها ليس فقط السرد الجيد أو الحوار السلس ونماذج الشخصيات المختارة بعناية أو في الحبكة والتصاعد الدرامي أو المفاجآت غير المتوقعة أو حتى في الموضوع الشائك القوي الذي أثارته والذي أحب أن أبقيه سرا حتى لا أحرق الرواية لكن يكمن التفرد في العمق الرهيب بها وكأنك في أكثر نقطة عميقة في المحيط لكن مع ذلك يصلك النور.
هي ليست فلسفة أو "فزلكة" لكن فهم بلغ المنتهى. جُمل تستحق أم تعلق في الميادين وفي صدر المنزل أو على واجهة مقر العمل. الجملة تساوي كتاب فمن الواضع أنها نتاج لثقافة موسوعية.
قد يعتقد البعض أني أبالغ، وأنه يجب أن أكتب بحيادية. لكن الحقيقة أن المبالغة في حق هذه الرواية هي منتهى الحيادية.
لا يعني أنني أوافق على كل ما جاء بها بنسبة مائة بالمائة أو أنه ليس هناك القليل النادر من التحفظات لكنها في النهاية رؤية الكاتب وأفكاره وهي نقطة في صالح الرواية. أن تستمتع كل هذا الاستمتاع رغم بعض الاختلافات.
في المعتاد أختار عدة اقتباسات أعجبتني في الرواية. لكن ماذا أفعل وتقريبا ما يقرب من نصف عدد صفحات الرواية عبارة عن اقتباسات تخطت مرحلة الإعجاب إلى حد الإبهار. حاولت الاختصار قدر الإمكان فخرجت بما يقرب من مائتي اقتباس مبهر.
لكن شيئا ما يقيد يدي أن أذكرها هنا فهي كقطع ألماس نادرة لابد أن تحفظ في أماكنها في الرواية وعلى من تملكت منه الرغبة أن يذهب إليها بنفسه ولكن مع ذلك سأذكر أمثلة قليلة
اقتباسات..
* إن لم تستطع أن تصرخ إهرب قبل أن يدفنك السكوت.
* الشخص صاحب الحضور الباهت الذي تخشى أن تشعر بالفقد إذا طردته من حياتك،؛ ضع مكانه تمثالا ولن تشعر بشيء؛ أنت لن تستفيد بأي واحد منهما على أيه حال.
* إذا استعصى عليك قتل كلب الراعي فاقتل الذئب. لا يحتاج الراعي إلى كلب في المراعي التي لا ذئاب فيها...
* إيمانك بيوم الحساب ووجود جهنم يحتم عليك الإيمان بوجود فرص تتاح لك كي تتخلى عن عنادك.
----
وأخيرا لا يسعني إلا أن أرشح هذه الرواية وبقوة للقراءة والنقد والتحليل والدراسة.
شكرا سميح فتحي على هذا الإبداع الراقي.
مراجعة غادة سيد