صانع دموعي... وبستان مشاعري الذي لا يذبل
جاءني كمن يأتي من زمن قديم… لا صوت لخطاه، لكن ارتجّت بي الأرض حين نظر.
لم يكن عاشقًا، ولا غريبًا، بل كان مرآة روحي حين نسيت كيف يبدو وجهي بين زحام الواجبات.
أيها العابر الذي لم يعبر…
يا من أتيتَ لتوقظ فيَّ امرأةً خنقتها جداول الحياة اليومية، امرأة تكتب الرواية وهي تقطع الخضار، وتحمل على ظهرها بيتًا وآخر، وتسقي والدتها بالحنان كما يُسقى الورد في خريف العمر.
أنا التي تحايلت على الوقت، صارت تكتب الفصل بينما الغداء على النار، وتدسّ الشوق بين فواصل التنظيف وهمهمات التعب.
أعدتَ مشاعري إلى الواجهة، دون أن تطلبها، دون أن تَعِد…
مجرد وجودك كان كافيًا لتنهار أسوار الصبر، وتخرج من عيوني دموعًا لم أعد أخجل منها.
أنا لست ضعيفة، لكني متعبة.
لست وحيدة، لكني أحيانًا أختنق من الزحام الذي لا يلاحظني.
لست بحاجة إلى شفقة، بل إلى لحظة صدق، يُمسك فيها أحدهم بروحي دون أن يسألني: "كيف حالكِ؟"، بل يعرف الجواب دون قول.
كتبتُ كثيرًا… لا لأدوّن الحكاية، بل لأُشفى.
لكني كلما ظننت أنني تجاوزتك، التقيت بك في سطر، أو وجه، أو ذكرى مبعثرة بين صفحات المسودات.
أنت صانع دموعي، نعم…
لكن دموعي اليوم ليست ضعفًا، بل طهارة، تطهرني من خذلان العالم، ومنّي حين كنت أنكر ما أشعر به.
ومن حقك أن تمضي، ومن حقي أن أكتب.
وسأظل أكتب، لأنك حين أيقظتني، منحتني حياة ثانية لا تُشبه إلا الحبر… والنساء اللاتي يُحببن رغم الحطام.
فيصبحن كتبًا مفتوحة على فصولٍ لا يجرؤ أحد على إغلاقها."
لم يكن حضورك عابرًا، بل بوابة لمملكة قديمة في داخلي، مملكة نسيَت كيف تفتح أبوابها لضياء المشاعر.
أنت الذي لم تسرق مني فرحي، بل استخرجت منه ما كان مخفيًا، من زوايا قلبي التي ظننتُها نائمة إلى الأبد.
كنت أعيش بين أروقة واجباتي، أتنقل بين رعاية أمي، ترتيب المنزل، وكتابة فصول رواية تُشبهني،
رواية تحمل بين سطورها تعب الأيام، وصبر الليالي الطويلة، وحلمًا يرفض الاستسلام.
لكنك، بكلماتك، بتلك النظرات التي لم تُلفظ، جددت فيَّ شغف الحياة،
علّمتني أن الدموع ليست ضعفًا، بل ريحٌ تداعب أوراق روحي، لتنمو من جديد.
في كل لحظة كنت أُذبل، كنت أكتب لأروي نفسي، ولأحافظ على بذور الأمل.
والآن، بفضل حضورك، صارت تلك البذور تتفتح، تزهر، وتُعانق السماء.
أنت صانع دموعي، نعم، ولكنك أيضًا صانع انتصاراتي،
من خلالك تعلمت أن أعانق ضعفي وأحتضن قوتي،
وأن أكون، في خضم كل ما أتحمله، امرأة لا تُقهر.
فلتعلم، أن كل دمعة نزلت كانت بداية لكتابة فصل جديد،
وفصلًا ملؤه الحياة، والحب، والتجدد.
وفي خضم هذه الفصول التي أكتبها بين نسمات التعب ومساحات الحنان،
يكبر حلمي بالكتابة، بالوصول إلى من يشبهني، من يشعر بما لا يُقال،
من يؤمن بأن كل كلمة تُسطّر على الورق، هي جسر بين قلوبنا، بين أعماقنا وأملنا.
ها أنا هنا، أكتب وأحلم، وأعطي نفسي فرصة للحياة، رغم كل شيء.
فكتابة الرواية ليست فقط حكاية شخص، بل هي ملحمة امرأة، امرأة تحيا، وتحب، وتُبدع، وتنتصر.