في ظلِّ واقعِنا الذي نعيشُه، وفي ظلِّ التَّسارعِ الرهيبِ في الأحداثِ على جميعِ المستوياتِ، سواء أكانت محلِّيَّةً داخلَ مصر، أو عربيَّةً، أو حتّى عالميَّةً، من حروبٍ وصراعاتٍ، وفي ظلِّ ما حدث ويحدث من تآكُلٍ للقِيَمِ والأخلاقِ والمبادئِ، نتجت عنه جرائمُ شاذَّةٌ يندى لها الجبينُ، أصبح لكلٍّ منّا مَعْرَكَتُه الخاصَّةُ أو حربُه التي يخوضُها طوعًا أو كَرْهًا، وأكادُ أجزِمُ — وأنا كُلِّي يقينٌ وثقةٌ — أنَّ أكبرَ مَعَارِكِنا وأشدَّ حروبِنا ضراوةً ستكونُ مَعْرَكَةَ ضَمِيرٍ ووَعْيٍ.
لا شكَّ أنَّنا جميعًا نعلمُ أنَّه ليست كلُّ المَعَارِكِ في الحياةِ تُخاضُ بالسِّلاحِ أو بالصوتِ العالي، فبعضُها يدورُ في صمتٍ داخلَ النفسِ، وبعضُها يشتعلُ بين ضميرٍ حيٍّ ومُغرياتِ واقعٍ يجرُّك نحوَ التنازُلِ.
نحن لا نختارُ كلَّ مَعَارِكِنا، فبعضُها يُفرَضُ علينا كما تُفرَضُ علينا أنفاسُنا، ولكنَّنا نُختبَرُ دائمًا في طريقةِ خوضِنا لها، وفي موقفِنا منها، لا في النتيجةِ فقط.
المعاركُ الأخلاقيَّةُ لا تُكْسَبُ في الميادين، بل في الخفاءِ، عندما تختارُ قولَ لا بينما الجميعُ يقولُ نعم، عندما ترفضُ أن تسيرَ مع الموجةِ لأنَّ ضميرَك يُوجِعُك أكثرَ من الناسِ، عندما تختارُ أن تكونَ صادقًا في زمنٍ يُكافِئُ الزَّيْفَ، وعندما تظلُّ إنسانًا رغمَ قسوةِ الحياةِ.
كم من مرَّةٍ مررتَ بمَعْرَكَةٍ لم تُرِدْها، لكنَّ ضميرَك أجبرَك عليها؟
حين دافعتَ عن مظلومٍ لم تربطْك به مصلحةٌ، حين رفضتَ الظلمَ ولو بالكلمةِ، حين اخترتَ النَّزاهةَ على حسابِ المكاسبِ، أو قرَّرتَ أن تكونَ على حقٍّ حتّى لو كنتَ وحدَك.
تلك هي المَعَارِكُ التي تُبقيكَ حرًّا من الداخلِ، مهما كبَّلَتْكَ الظروفُ من الخارجِ.
ليست كلُّ مَعْرَكَةٍ تحتاجُ إلى ضجيجٍ أو شُهودٍ، فبعضُها يخوضُها المرءُ بينه وبين نفسِه؛ بين صوتِه الداخليِّ الذي يُذكِّرُه بما يجب، وبين رغباتِه التي تجرُّه لما يُريحُ.
في تلك اللحظةِ الفاصلةِ بين ما هو سهلٌ وما هو صائبٌ، يُقاسُ معدِنُك الحقيقيُّ، وتُعرَفُ قيمتُك الحقيقيةُ.
كثيرونَ يختارونَ السَّلامةَ، ويمضونَ مع التيارِ لأنَّهم يخشَونَ الخسارةَ، لكنَّ الخسارةَ الحقيقيةَ ليست أن تُهزَمَ، بل أن تتخلّى عن نفسِك لتنتصرَ.
فالضَّميرُ، حين يُخرِسُ صوتَه الإنسانُ، يتركُه يعيشُ في فراغٍ باردٍ، مهما امتلأتْ يداه بما ربِحَه من تنازلاتِه.
مَعْرَكَتُكَ الحقيقيةُ ليست ضدَّ الآخرينَ، بل ضدَّ ضعفِك، ضدَّ استسلامِك، ضدَّ صمتِك حين يجب أن تتكلَّمَ، وضدَّ تبريرِك للخطأ حين تعرفُ أنَّه خطأٌ.
هي مَعْرَكَةُ الوعيِ قبل الفعلِ، والضَّميرِ قبل القرارِ، والإنسانِ قبل الموقفِ.
ستأتي لحظةٌ تُدرِكُ فيها أنَّ الفوزَ لا يعني أن تكونَ الأعلى، بل أن تبقى صادقًا بعد كلِّ ما مرَّ بك.
حينها فقط، يمكنك أن تنظرَ في المرآةِ دون خجلٍ، لأنَّك — مهما تعبتَ أو تأخَّرتَ — لم تخسرْ نفسَك.
تذكَّر دائمًا:
قد لا تختارُ مَعْرَكَتَكَ، لكنَّك تختارُ كيف تخوضُها.
وإن خرجتَ منها بوجهٍ نقيٍّ وقلبٍ مطمئنٍّ، فقد انتصرتَ.
نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
ايمان صلاح محمد عبد الواحد
ياسر محمود سلمي
ايمان سعد عبد الحليم بسيوني
سحر حسب الله عبد الجبوري
دينا سعيد عاصم
د. ايمان احمد ابو المجد الدواخلي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
آمال محمد صالح احمد
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
زينب حمدي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 



































