ما لي لا أرى الهدهد، تبدو هذه الجملة القصيرة التي نطق بها نبيٌّ ملكٌ "سليمان عليه السلام " وكأنها سؤال بسيط عن طائر غاب عن مجلسٍ، لكنها في جوهرها سؤالٌ كونيّ عن غياب البصيرة، عن تلك اللحظة التي يلتفت فيها الإنسان إلى الصمت في داخله فيسأل:
“ما لي لا أرى؟”
الآية لا تتحدث عن طائر فحسب، بل عن القدرة على الرؤية، عن الشرخ الذي يحدث في وعي الإنسان حين يتوقف عن ملاحظة ما حوله، حين يختفي “الهدهد” الداخلي، ذلك الكائن الرمزي الذي يرمز إلى الحدس والمعرفة والرسول الخفي بين الغيب والعقل.
لقد كان الهدهد عين سليمان في الغياب، ومبعوثه في المجهول، وصوته في الأماكن التي لا يراها السلطان بعينه ،وحين قال: “ما لي لا أرى الهدهد”، لم يكن السؤال عن الهدهد وحده، بل عن ذاته التي تعجز لحظةً عن الإحاطة بالعالم. كأنه يسأل نفسه:
هل غاب الهدهد، أم أن بصري أنا الذي غاب؟
هل هو غياب الموجود، أم غياب الوعي بالموجود؟
هذه الآية، من منظور فلسفي، تختصر مأساة الإنسان المعاصر:
نملك أدوات المراقبة والتحليل والمعرفة، لكننا نفقد القدرة على الرؤية البسيطة، الرؤية التي تأتي من القلب، من الحدس، من الإصغاء لما وراء الظاهر، كل واحدٍ فينا فقد “هدهده” يومًا فقد صوته الداخلي، أو رسوله إلى المعنى، أو طائر وعيه الذي كان يدلّه على الاتجاه حين تضيع البوصلة.
الهدهد في القصة القرآنية عاد بخبرٍ، بخبرٍ عظيمٍ من سبأ.
لكن في تأملاتنا اليوم، الهدهد قد لا يعود، وقد تكون “ما لي لا أرى الهدهد” صيحة من يعيش في صحراء الحداثة، حيث الضجيج يغطي على نداء المعنى، وحيث تغيب الطيور التي كانت تبشّر بوجود الله في التفاصيل.
ربما كانت الآية، في عمقها، دعوة للبحث عن المفقود فينا ، عن الهدهد الذي غاب من حواسنا، عن الإلهام الذي هرب من بين أصابعنا، عن الإشارة التي لم نعد نراها في هذا العالم المزدحم بالرماد.
إنها ليست آية سؤال فقط، بل آية يقظة،حين يقول سليمان: “ما لي لا أرى”، فهو لا يلوم العالم، بل يفتّش في نفسه.
كأنه يعلم أن الغياب الحقيقي ليس غياب الهدهد، بل غياب القدرة على أن نراه حين يكون أمامنا.
نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري
أيمن موسي أحمد موسي
ايمان صلاح محمد عبد الواحد
ياسر محمود سلمي
ايمان سعد عبد الحليم بسيوني
دينا سعيد عاصم
د. ايمان احمد ابو المجد الدواخلي
د. عبد الوهاب المتولي بدر
آمال محمد صالح احمد
د. نهله عبد الحكم احمد عبد الباقي
د. محمد عبد الوهاب المتولي بدر
زينب حمدي
حنان صلاح الدين محمد أبو العنين
د. شيماء أحمد عمارة
د. نهى فؤاد محمد رشاد
فيروز أكرم القطلبي 



































