ليست الحياة ساحةً للانتصارات الدائمة، ولا طريقًا مفروشًا بالورود. كلّنا نولد نحلم، ونسير بخطواتٍ واثقة، ثم تعصف بنا التجارب لتكسر شيئًا فينا وتبني آخر. وأجمل ما في التجربة الإنسانية أنها تترك فينا أثرًا، درسًا لا يُشترى، ووعيًا لا ينتهي. لهذا كان هذا المقال، نافذةً على تجارب بشرٍ من لحمٍ ودم، تعلّموا من عثراتهم قبل أن يجنوا ثمار نجاحهم، وعرفوا أن الطريق إلى القمة يبدأ غالبًا من قاع التجربة
دعني يا صديقي أخبرك أن الفشل ليس عدوًّا للنجاح كما يظنّ البعض، بل هو معلّمه الأول، ومختبره الحقيقي. كل تعثّر هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وكل سقطة تحمل في طيّاتها بذرة نهوضٍ جديد. الفشل يعيد ترتيب أولوياتنا، ويعلّمنا كيف نميّز بين ما نريد وما نستطيع، بين ما يستحق القتال وما يستحق التخلّي.
ما من نجاح وُلد من فراغ، ولا مجدٍ تحقق صدفة. كل من وصل، كانت وراءه لحظات من الشك، والانكسار، والوحدة، والخذلان. ومع ذلك، لم يستسلموا. لأن النجاح لا يمنح نفسه إلا لمن أصرّ عليه، ولمن وثق أن كل فشل ما هو إلا درجة من درجات النجاح.
أفضل الدروس في الحياة لا تُلقى على منابر، بل تُعاش في صمتٍ، في تلك الليالي التي تُعيد فيها اكتشاف نفسك بعد خسارة موجعة، أو خيبة مؤلمة. في تلك اللحظات، تتعلم أن تكون سندك الأول، وأن تدعم نفسك قبل أن تطلب الدعم ممن حولك، وأن لا تنتظر من يشجّعك لتتحرك، أو من يواسيك لتقف. تتعلم أن كل ما تحتاجه بداخلك، وأن التوفيق من الله وحده، ما دمت تبذل الأسباب وتؤمن أن الخير فيما اختاره لك.
تاريخ البشر مليء بنماذج تعثّرت قبل أن تصعد، ولكنها آمنت أن الفشل مرحلة لا مأوى.
لا أعتقد أن هناك من لا يعرف توماس إديسون الذي يضئ لنا حياتنا حتى الأن، هل تعلم أن توماس أديسون فشل أكثر من ألف مرة قبل أن يُنير لنا ظلام هذا العالم؟ وكان يقول بثقة: لم أفشل، بل وجدت ألف طريقة لا تعمل. والت ديزني طُرد من عمله لأنه وحسب رؤية من طردوه “يفتقر إلى الخيال”، لكنه بنى إمبراطورية الأحلام.
طه حسين، الذي فقد بصره، أضاء للأمة بصيرةً لا تنطفئ، وعباس محمود العقاد، الذي لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، علّم نفسه بنفسه حتى صار واحدًا من كبار مفكّري القرن العشرين، صارع الفقر، وواجه التجاهل، لكنه صنع مجده بالقلم والمعرفة. وفي واقعنا المعاصر عايشنا ورأينا بأنفسنا الدكتور أحمد زويل، الذي خرج من أزقة دمنهور، لم يعرف اليأس طريقًا إليه حتى صعد إلى منصة نوبل، ممثلًا مصر والعالم العربي في أرفع المحافل العلمية.
ربما ليس من الصواب أن أتحدث عن نفسي في هذا المكان، ولكنني وجدتني أصلح لأن أكون أحد هؤلاء الذين قاوموا الكثير من الصعاب، وعبروا الكثير من التحديات للوصول إلى مكانةٍ أطمح إليها وأتمنى أن أستحقها. ولولا إيماني ويقيني بالله، وعدم استسلامي، ما كنتُ أنا لأكتب ما تقرؤه الآن عزيزي القارئ، بل لا أبالغ إن قلت إنّه ربما كان مقدّرًا لي ألا أُجيد القراءة والكتابة من الأساس.
كل هؤلاء وأنا منهم لم يكن الحظ هو بصلتهم الوحيدة للوصول إلى مكان آمن، بل إيمانهم بذواتهم هو من أوصلهم. سقطوا مراتٍ كثيرة، لكنهم نهضوا في كل مرة بثقةٍ أكبر وإصرارٍ أعمق، لأنهم أدركوا أن الفشل ليس إلا محطة مؤقتة في طريق طويل نحو النجاح.
والحقيقة أن كل إنسان فينا يحمل بداخله بوصلة النجاح، لكنه يحتاج إلى لحظة صدق مع ذاته ليراها بوضوح. نحن نُختبر في الثقة، في الصبر، وفي قدرتنا على التكيّف مع قسوة الأيام دون أن نفقد إنسانيتنا. النجاح لا يعني أن تصل إلى القمة سريعًا، بل أن تثبت في وجه الرياح حين تهبّ عليك الحياة بما لا تتوقعه.
ثق أن كل فشلٍ يصقل روحك، وكل خيبةٍ تُهذّب رؤيتك، وكل عثرةٍ تقرّبك من ذاتك الحقيقية. النجاح لا يختبئ في الحظ، بل في الإصرار، والإيمان، والنية الخالصة. كن داعمك الأول، وسندك الأصدق، فالله لا يخذل من سعى وتوكل عليه.
ولا تنسَ أن الحياة لا تُقاس بعدد مرات السقوط، بل بعدد المرات التي تنهض فيها من جديد. فكل نهوضٍ بعد فشل هو انتصار صغير، وكل خطوةٍ للأمام هي شهادة على أنك ما زلت تؤمن بالله أولًا من ثم تؤمن بنفسك.
في النهاية، النجاح ليس غاية، بل رحلة. رحلة تبدأ بالفشل، وتنضج بالإصرار، وتكتمل بالإيمان بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. فانهض كلما تعثّرت، وابتسم كلما ضاقت، لأنك في طريقك — لا محالة — إلى قمّتك الخاصة، التي تنتظرك بثباتٍ ورضا، ولا تنسى دومًا أنه "من أحسن ظنه بالله لا يخيب"
والأن يا صديقي أنظر بداخلك فإن وجدت نبضٌ يتوق إلى المحاولة، فاعلم أن الصفحة التالية من حياتك لم تُكتب بعد... فافتحها معي.





































