ــــــــــــــــــــــ
بوجهٍ شاحبٍ ونظراتٍ زائغةٍ ونبضات قلبٍ خافتة.. تطلعت حلم إلى فرح وإلى الطبيب الذي كان يتحدث مع فرح دون أن ينتبه لعودة حلم إلى وعيها، والتي بدورها سمعته وهو يطمئن فرح قائلًا: ستكون بخير، لقد قمنا بعمل رسم للمخ، فأنا أشك بتعرضها لانهيار عصبي بسيط بعدما تعرضت له من أحداث متلاحقة وعدم تقبلها للأمر الواقع.
فرح: ولكن.. بما تفسر ذلك النشاﻁ الزائد وتضاعف دقات القلب رغم نومها على سريرها مع ذلك العرق الغزير على وجهها؟
الطبيب: كل هذا يكون منطقيًا عندما يتعرض أي شخص أثناء نومه لكابوس أو حلم مزعج، فالعقل يرسل إشاراته لكامل الجسد ليكون مستعدًا للمواجهة، مما ينتج عنه الشعور بالخوف أو زيادة دقات القلب وحتى العرق لأن الجسد يفرز مادة الأدرينالين المحفزة للجسد، أعقب كلماته بابتسامة خفيفة وهو يغادر الغرفة لتنتبه فرح لعودة حلم لوعيها، حاولت فرح قدر جهدها أن ترسم ابتسامة خفيفة على شفتيها لطمأنة حلم، ولكن من الغريب أن حلم لم يكن يبدو عليها الخوف أو القلق، ولكنها كانت شاردة تنظر إلى الفراغ وكأنها تستجمع شتات أفكارها، فجأة..
نادت فرح وطلبت منها أن تغلق الباب وتتأكد من عدم وجود أي أحد بالقرب من غرفتهم، هذا التصرف أثار دهشة فرح جدًا فهي لم تتعود ذلك من حلم والتي ارتسمت على وجهها علامات الجدية والهدوء وهي تسأل فرح قائلة: هل تذكرين رهف؟
فرح: هل تقصدين رهف صديقتنا من الجامعة؟ حلم: نعم هي من أقصدها.
فرح: نعم أتذكرها جيدًا فهي من الأصدقاء المقربين لنا ولكن لماذا تسألين عنها الآن؟
حلم بجدية وهدوء وهي توجه حديثها إلى فرح: أعلم أن ما يحدث لي ليس طبيعيًا، وربما لا أجد له أي تفسير وكلٌ سوف يفسره حسب قناعاته وأفكاره، فهناك من سيظن أنني أختلق هذا وهناك من سيقول تخيلات أو بسبب تأثير الحادث، ولكل منهم مبرراته لذلك، ولكني أعلم علم اليقين أن الأمر يتجاوز ذلك كثيرًا جدًا وأكثر مما يظن الجميع.
كان ما نطقت به حلم للتو كفيلًا بأن يجعل فرح بكامل تركيزها ووعيها.. مشدودة إلى كل حرف تنطق به حلم قبل أن تقول لها: هل يمكنكِ أن توضحي لي ماذا تقصدين بكلامك هذا؟
حلم: اسمعيني جيدًا وركزي معي، ما سأخبرك به هو يقين راسخ بعقلي وذهني، أردفت قائلة.. هناك رسائل تصل لي، هناك من يحاول الإتصال بى ويرسل إلي إشارات، ربما هي شفرات
نعجز نحن عن فك طلاسمها أو تفسيرها ولكن هناك بالتأكيد من يستطيع ذلك.
فرح بذهول وقد نجحت حلم في الاستيلاء على كامل انتباهها: وماذا بعد؟
حلم: هل يمكنك الإتصال برهف للحضور الآن وعلى وجه السرعة؟
فرح بلهجة متسائلة: ولماذا رهف بالذات؟
حلم: رهف بعد تخرجها تحضر للماجستير والدكتوراة في توارد الخواطر والتواصل الذهني، وربما يفيدنا تخصصها فيما يحدث لي ولا أجد له تفسيرًا.
فرح: حسنًا سأخبرها أن تأتي، وما هي إلا ثوانٍ وكانت فرح تتحدث إلى رهف وكان يبدو من حديثها مع رهف أنها تسأل عن حالها و فرح تطمئنها، التفتت فرح إلى حلم التي قاطعتها قائلة: أخبريها أن تحضر معها اللاب توب الخاص بها وبعض الكتب التي تتعلق بالتواصل الذهني وتواصل الأرواح، أومأت لها فرح بالإيجاب، مرت الدقائق ثقيلة عليهما وكل بضع دقائق تتطلع حلم إلى ساعتها وكأنها تتعجل عقارب الساعة لتمر بسرعة، كلما نظرت فرح إليها وشعرت بقلقها تحاول طمأنتها بابتسامة خفيفة؛ لتمتص بعض رغبتها بوصول رهف سريعًا، كانت تحدث نفسها قائلة «أن حلمًا تحاول جاهدة إيجاد تفسير لما حدث ويحدث معها، وهذا حقها، فما حدث للآن يفوق الخيال جموحًا وغرابةً، لم يقطع حبل أفكارها سوى طرقات خفيفة على الباب،
توجهت مسرعة لتفتح الباب وتدخل فتاة بنهاية العقد الثالث من عمرها.. هادئة الملامح، تحمل بين يديها باقة من الورد، ما لبثت أن وضعتها جانبًا لتحتضن فرح بسعادة غامرة قبل أن تتوجه نحو حلم لتحتضن يدها بين راحتى يديها وهي تقول لها: لا بأس حبيبتي، ستكونين بخير.
ابتسمت حلم بعذوبة وهي تقول: لا تقلقي.. أنا بخير.
دقائق مرت تبادل فيها الأصدقاء الثلاثة بعض ذكريات الدراسة وكيف فرقت بينهم السبل كلٌ في طريقه حسب رغبته أو ما كان مضطرًا له، رهف.. هكذا بدأت حلم حديثها مع رهف وهي تقول لها.. سأخبركِ بما مررتُ به وأعلم أن هناك بعض المعلومات أنتِ على درايةٍ بها، ولكن هناك الكثير مما تجهلينه، وسنرى إن كنت ستفيديننا بذلك أم لا؟
استرعت هذه الكلمات انتباه رهف التي قالت لها : هاتي ما لديك فكلي آذان صاغية.
بدأت حلم روايتها منذ محطة الحافلة والكافية وحتى تلك الﭭيلا وسور الحديقة والصوت الذي يطاردها فى صحوها ومنامها، لحظات ثقيلة من الصمت مرت على الجميع لم يحرك خلالها أحدهم ساكنًا من غرابة ما روته حلم، حتى فرح والتي عايشت كل الأحداث بنفسها كانت مدهوشة وكأنها تسمع هذا لأول مرة.
رهﻒ بتنهيده عميقة: حسنًا.. أنتما الآن في ملعبي، فهل يمكنكما متابعتي دون مقاطعة؟
ردت الفتاتان بنفس الوقت: نعم.. لكِ هذا، ربما نجد لديكِ تفسيرًا لما يحدث ولا نجد له أي تفسير.
رهف: ما يحدث معكِ هو محور رسالة الدكتوراة التي أعكف عليها حاليًا، ولن أكذب عليكما عندما أقول أنه قد أصابني اليأس من تكملة تلك الرسالة، فأنا قد أنهيت جميع المحاور المتعلقة بالدراسات والنظريات، ولكن للأسف أحتاج لما يؤيدها عمليًا، وبينما تبحثان أنتما عن تفسير أبحث أنا عن رابطٍ حي يربط بين الدراسات والنظريات والواقع.
حلم: هل تقولين أن ما يحدث معي له نظريات ودراسات سابقة؟
رهف: نعم.. فبعض الدراسات أثبتت أن المرأة تتمتع بالحاسة السادسة، وأنها تتفوق بهذا، هناك أيضًا بعض الدراسات عن التخاطرعن بعد ويعرفه العلماء بأنه ظاهرة روحية يتم من خلالها التواصل بين الأذهان، وهوعمل ذهن شخص على ذهن آخر عن بعد من خلال تأثير عاطفي بدون الاتصال بالحواس، وهذا التواصل يشمل الأفكار والأحاسيس والمشاعر والتخيلات الذهنية، ما أن أنهت رهﻒ كلامها حتى انهالت عليها الأسئلة من فرح وحلم: أرجوكِ وضحي ماذا تقصدين؟ وهل هذا ينطبق على ما يحدث معنا؟ وهل يكون هذا بين الأحياء والأحياء أم بين الأحياء والأموات؟
رهف: لا شيء يحكم ذلك بالتحديد، فقد يحدث بين أحياءٍ وأحياء ويسمى توارد خواطر واتصال ذهني، وقد يكون تواصل
روحي بين أمواتٍ وأحياء، مثلًا هناك أرواح تزور بعض أحبتها أثناء النوم ويحدث بينهم حديث واتصال وربما يخبرونهم بحالهم بعد الموت، وهناك الكثير مما تم تسجيله عن ذلك، حلم: وماذا عن الأحياء؟
رهﻒ: هناك الكثير من الحالات الموثقة بهذا الشأن وسأضرب لكما مثالًا على ذلك..
هناك أختان توأمتأن ديبي و ليزا تفصل بينهما آلاف الأميال، ليزا تعيش في استراليا بينما تعيش ديبي في نيويورك، تعرضت ليزا لحادث سيارة مؤلم دُهست من خلاله بقوة، فشعرت ديبي بنفس الألم، وروت لأمها ما تشعر به دون أن تجد تفسيرًا لذلك، وكان بنفس التوقيت ونفس الألم الذي شعرت به أختها بالطرف الآخر من العالم.
حلم: هذا عن الشعور والإحساس بالألم أو حتى السعادة ولكن هل يمكن أن أسمع صوت وأميزه بوضوح وتفصل بيننا مئات الأميال؟ هل يعقل هذا؟ وهل أجد لديكِ أي تفسير لذلك؟ أرجوكِ.. فأنا أكاد أجن وذلك الصوت يطاردني ويرجوني.
رهف: بل سأخبرك بما يفوق ذلك دهشة وغرابة، كانت هذه العبارة كفيلة بأن تجعل حلم وفرح بحالة من الذهول والترقب في انتظار ما ستقوله رهف!!
يتبع





































