لماذا ومتى أصبحنا كذلك؟
متى تحولنا لمسوخ تحمل فكرًا مشوهًا وأفكارًا شاذة؟
بل لماذا أصبحنا مثل الببغاوات نردد ما نسمعه دون إعمال للعقل؟
هل يُعقل أن يتحول كل نقاش بين فئتين إلى حرب كلامية ومعركة حامية الوطيس!
لماذا أصبحنا لا نتقبل ثقافة الاختلاف فيما بيننا؟
كل منا يشعر أنه وحده من يملك الحقيقة المطلقة وما عداه لا يملك سوى الزيف والهراء.
حتى أنه وبالفترة الأخيرة تحولت جميع المواقع الاجتماعية والمنصات الأدبية لساحات حرب ضروس ومعارك كلامية ما بين مؤيد ومعارض ومع كل قضية خلافية مهما كانت نجد فريقين على النقيض وكل منهما يحاول جاهدًا الحشد بخندقه لا يهم إن كان على صواب أو خطأ فالأهم أن يحشد الكثير من الأصوات التي تؤيده والتي تجعله يخرج بالنهاية منتصرًا.
أكثر ما يؤلمني بذلك أمران وهم { الانحياز } و { التعميم } إنحياز أعمى لا يرى الحقيقة ويحاول طمسها بكل ما أوتي من قوة وتعميم أخرق يساوي بين الجميع ويضعهم بكفة واحدة.
وحتى أشرح وجهة نظري سأعرض مثالًا لذلك للنقاش وهو التحرش الجنسي.
فكلما طفت على السطح حادثة أو قضية تتناول هذا الأمر يتحول الفضاء الإلكتروني إلى ساحة محكمة ويقوم كل شخص بتنصيب نفسه مدعيا عام وقاضيًا وجلادًا.
سوف تجد فريقًا يدين المتحرش إدانة كاملة ومطلقة ويدافع عن ضحية التحرش بكل ما أوتى من قوة وفريق آخر يدين ضحية التحرش ويحملها تبعات ما حدث لها ولكل فريق مبرراته فيما ذهب إليه.
للأسف هناك تطرف فكري خطير من كلا المعسكرين فأحدهما يرى المتحرش شيطانًا أشر وضحيته ملاكًا طاهرًا والآخر يريد أن يبرر للمتحرش سوء عمله ويريد إلقاء التهمة كاملة على الضحية ليحملها تبعات هذا الفعل المنحرف.
ولست هنا بصدد مناقشة التحرش أو الأسباب التي تؤدي إليه وإن كنت أرى الجميع مشاركًا ومسئولًا بشكل أو بآخر في هذا الأمر بداية من المتحرش وبيئته، والضحية والتي هى جزء لا يتجزأ من المجتمع والذي فقد من مقوماته الدينية والثقافية والاخلاقية الكثير حتى وصلنا لمَا وصلنا إليه من هذه السلوكيات الشاذة والمنحرفة.
قضيتنا الأساسية هى التطرف الفكري دون وعي أو فهم.
ليتنا لا ننصب من أنفسنا قضاة من ثم نلقي بالاتهامات جزافًا لنقوم بإصدار أحكام جائرة.
ليتنا لا ندعي مثالية زائفة فلكل منا رصيد من الستر إن نفد لشممنا رائحة تزكم الأنوف ولرأينا بأم أعيننا ما تعجز أن تصدقه عقولنا.