كان إذا رآني، اضطربَ الفقهُ في صدره،
وانكسرتْ قوافي البلاغةِ بين شفتيه.
يخشعُ لظلي كما يخشعُ لآيةٍ تتنزّلُ عليه فجأةً،
ويتهجّاني كما يتهجّى البسملةَ في أول الصلاة.
كنتُ فاتنته، ومحرابه، وسرّ ذنبه.
كلما حاولَ أن يتعفّف،
انحنى أمامَ أنوثتي بخشوعٍ لا يليق إلا بعابدٍ نُسِيَ في سجوده.
كان يعشقني كما لو أني الجنّة التي وُعِد بها،
ويخافني كما يخافُ النار التي أُعِدَّت له.
إذا غضبتُ، أطفأ سراجَ قلبه واعتكفَ في صمته،
وإذا ابتسمتُ، تلا عليّ حديثًا عن الرحمة.
يا ما ذابَ في نَفَسي،
حتى صارتْ أنفاسُه تُصلّي في صدري.
كنتُ أراهُ يتهجّى اسمي كما يتلو الأذكار،
ثم يرفعُ كفَّيه إليّ كأنه يسألُ اللهَ أن يغفرَ له حبّي.
يا فقيهي…
ما ضرَّكَ لو سكنتَ فيَّ كما سكنَ الإيمانُ في روحك؟
ألم يقل ربّك: "وجعلنا بينكما مودة ورحمة"؟
فما بالُك تجعلها عذابًا مقدّسًا؟
أحبّني كما يُحبّ المذنبُ ذنبه،
وكما يُحبّ العارفُ سترَ الله عليه.
كلما أرادَ النجاةَ منّي،
أغرقَه الله في دعائي أكثر.
كنتُ فاتنته، وكان فقيهي،
وضاع بيننا التفسيرُ في موضعِ السجود.
وبقيتْ السماء تكتبُ اسمينا كلَّ فجرٍ جديد،
كأننا آيتان لم تكتملْ بينهما البسملة.
وها أنا الآن،
أسمعُ صوته يتسلّل من بين السور،
كلما قرأ الفاتحة، شعرتُ أنه يبتدئني أنا.
صدى دعائه ما زال يمرُّ على قلبي كما تمرُّ الريح على موضع السجود.
لم يعد بيننا كلام،
لكنّ أرواحنا تتصافحُ في الغيب،
وإذا بكى في صلاته،
أحسستُ بنقطةِ دمعٍ تسقطُ على صدري من مكانٍ لا أراه.
ما عاد فقيهي كما كان،
ولا عدتُ فاتنته كما كنتُ،
لكن شيئًا في السماء ما زال يكتبُ اسمينا متجاورين،
كأننا دعاءٌ لم يُستجب بعد،
أو قدرٌ ينتظر تمام الآية.






































