هناك في الطرقات اللزجة الرطبة وبينما تتساقط الأمطار خارج النوافذ وصوت البيانو الحزين الغامض ينطلق دون معرفة هوية العازف يتخبط أحدهم بين الحائط والثاني وهو يصيح دون أن يسمعه أحد "أنا عايز أمي!"، ويفكر في نفسه بندم شديد على اليوم الذي التحق به بالملفات السرية أوي وعلى الذي اشار عليه تلك الشورة المهببة وعلى مهيطل التعلب أبو دماغ تعبانة وفضائيينه وعلى المالتي تاسك الذي أدعى أنه قادرًا عليها وكتبها في السي في الذي حوله نسختين دوكها وورد والتانية بي دي إف.....
"معقول، أنا شبح، أنا؟! وميت من 7 سنين؟ أنا؟ وكنت من اكفأ العملاء، أنا؟"
ما هذا؟ كيف يواجه واقعه الجديد؟
ظل يبكي ويتشحتف والسوائل الكثيفة تتسلل من أنفه حتى شفتيه المرتعشتين، لكن بعدها تمالك نفسه وقرر "إن لم تستطع جبر جروحك فلتنكد على الآخرين" وهذا يعني أن يصبح "شبحًا نوتي مشاغب يدب الرعب في أوصال ساكني المبنى، يخترق الحوائط ويضرب غطيان الحلل ببعضها ويجري في الأدوار ويحرك الأثاث الذي ليس له وجود"
انطلق يجري في اتجاهات عشوائية ويدبدب على الأرض ويصيح:
"جايللكوا يا شوية بشر"
ذهب بعدها إلى غرفة مدام منال إكس فايلز وهيثم...
اقترب من "منال" وصاح في أذنها: "تووووووووووووت"
لكنها لم تبد أي ردة فعل، فانتقل إلى "هيثم" وأوقع رزمة الورق الكبيرة التي كان يحملها على الأرض.
بهدوء انحنى "هيثم" ولملم الأوراق المتناثرة هنا وهناك، وبعد أن حملها وستفها قام "جعيدي" مرة ثانية وأوقعها لتتناثر مرة أخرى....
نظر "هيثم" في قلق لمنال وقال:
-طلبتلنا السينابون بصوص البتساشيو والكراميل والجرجير؟
-كنت قايمه أهو هطلبه.
شعر "جعيدي" بالملل سريعًا بعدها نعكش شعر "هيثم" ورمى الورق للمرة الحادية عشر دون جدوى أو رد فعل من "هيثم" وقرر مواصلة أعماله التخريبية في مكان آخر.
كاد أن يجتاز غرفة ما لكنه عاد إليها، غرفة المدير بنفسه "عديل الجعجعوني"، دلف إلى الغرفة، فوجده واقفًا كعادته يحملق عبر النافذة مع العلم أن الظلام كان حالكًا وعواميد النور كلها معطلة.....
اقترب منه حتى كاد وجهيهما يلتصقان وقال:
= ده أنت كنت أغتت مدير عدى عليا، يا اللي عامل فيها ديب وعميق وأنت أهبل ومبتفهمش حاجة، لا ليك في الملفات السرية أوي ولا الملفات الأوبفيوس الصريحة المسطحة زي قرعتك، وليه واقفلي ليل ونهار عالشباك؟ مستني إيه يحصل؟ ولا عشان تكمل فورمة العميق، مدير أخطر جهاز في مصر ودرب التبانة والدرب الأحمر؟
-لأ، لأ، مش قادر!
تفاجأ "جعيدي" بردة فعل "عديل الجعجوني"، حيث قال جملته ونظر في اتجاه معين ثم أكمل:
-أنا مليش في الجو ده، اطلعوا وبطلوا التمثيلية دي.
تمثيلية؟ ما الذي يتحدث عنه؟
خرج حينها "مهيطل التعلب" و "008" من خلف الستائر، وقالوا في نفس واحد:
-زربرايززز.
اقترب "مهيطل" من "جعيدي" ونفخ في زمارة أخرجها من جيبه، تلك الملفوفة بورق هدايا لميع وبتدي بريق أحمر وأصفر وجانجا وقال مهللًا:
-هابي هالوييين يا جعجوعتي.
وعلق "008" قائلًا:
-خدعة أم حلوى يا عميل "جعيدي"، شربتها يا كروديا؟
مم....ماذا؟ ما الذي يتحدثون عنه؟ ما الذي يحدث بالضبط؟
سألت نفسي كتير مرستش يوم على البر هو اللي فيا الخير ولا اللي فيا العو؟
أكمل "مهيطل" ضاحكًا:
-إيه يا جعجوعتي، ده عيد الهلع والأشباح والليالي الملاح، إتس 31 أكتوبر.
ثم فجأة انهالت الأفكار على جعيدي والاستنتاجات المخابراتية، طبعًا! كل شيء أصبح واضحًا ومنطقي الآن ومزهزة بالألوان، إنه لمقلب، وكان هو الضحية، لابد وأن كان يدرك ذلك منذ البداية، متى أستبدلوا البوتاجاز الفخيم أبو 3 عيون المسدودين بالشحوم بالوابور أبو عين واحدة؟ ومتى أصبح لديهم بادجت لسحلب زيادة عن باكوهات النسكافيه 5 في واحد المنتهية الصلاحية منذ 12 عام والمخلوطة بالجبس والسيراميك؟
كان "جعيدي" في موقف عسير للغاية لا يحسد عليه، أولًا منظره الهُزأ كونهم لعبوا به كاليويو وكيف انطلت عليه الخدعة، ثانيًا كم السباب الذي ألقى به على مديره "عديل الجعجعوني"، وثالثًا حمام الفقاقيع الذي تركه منذ وهلة ولابد أن الفقاقيع قد تفرقعت كلها وزال تأثيرها، كان عليه أن يتصرف، أن ينقذ نفسه وما تبقى من كرامته فأختار أن يعطيهم ظهره ويعمل مقموص، ذهب إليه "مهيطل" وبمنتهى الحنو أمسك كتفيه وأداره 180 درجة ليكون في مواجهته، لكن ثبت "جعيدي" على موقفه وظل ينظر في كل الاتجاهات ما عدا "مهيطل".....
-حيران كده ليه، متغير ليه، دانا قلبي عليك، عليييك؟
= ده مش شغل إحترافي أبدًا، أنا أبويا مصرفش عليا كل ده عشان تعملوا معايا مقالب، بعد ما عملت دراسات واتخصصت، وفي القضايا الماورائية نبشت وبحثت.
تقدم إليه "عديل الجعجعوني" ووضع يده على كتفه وقال:
-أنا بالنيابة عنهم بعتذرلك، إحنا مش بنستخف بشغلك العلمي المهني اللي قايم على الأبحاث الفيزيائية المنطقية الكيميائية والتقارير الحلزونية عن الملفات السرية، ده ميمنعش إنك هتتجازى على الكلام اللي قلتلهولي لما كنت فاكر نفسك شبح، مش متشاف ومعتقد إنك شفاف، مخصوم منك 6 شهور، وهتجيب السبلايز بتاعة المبنى من جلاد وورق حائط ومجات وأطباق بلاستيك وكوسترات، وفلايات وشرابات وأي حاجة يحتاجها الزملاء وهتشيل عنهم الهووم وورك والتاسكات.
"يتبع"