أتفهم أن ينتفض الإنسان غاضبا إذا ماتعرض لضيم أو تصور ذلك ، فيرتفع صوته وتحمر عيناه وتنتفخ أوداجه ، لأن الغضب في حقيقته طبيعة بشرية وسلوك إنساني قد يكون من الضروري التعبير عنه في بعض المواقف ، كنوع من الانتصار للنفس أو ردع الغير عن التجاوز أو نحو ذلك . 

ولكني لاأتفهم أبدا أن يستبد الغضب بإنسان حتى يتحول لسانه إلى سياط ملهبة من الفحش والبذاء ، وأضع عدة خطوط تحت هذه الجملة الأخيرة " البذاء " 

 فالبذاء هو فحش الكلام من الألفاظ النابية التي تؤذي السمع وتوجع القلب وتحط من الكرامة وتدهب بالإنسانية أدراج الرياح .

و من المؤلم حقا ان ترى إنسانا يؤسرك مظهره وتبهرك مكانته وتتملكك عبارته ، فإذا ماغضب تقاطر البذاء منه والفحش ، 

ومادرى هذا المتفاحش البذيء أنه إنما يفضح نفسه ، لأنه يسفر ببذاءته عن حقيقته وبيئته ودخيلة نفسه ، وماتربى عليه ودرج . 

فأبناء البيوتات الشريفة مثلا لايعرفون البذاءة ولايستطيعونها وإن رجمت أبدانهم بوابل منها من خصومهم . 

كما تنبيء البذاءة عن عدم استواء الشخص البذيء نفسيا ، لأن السواء النفسي يفيض على صاحبه بالخلق الذكي بلا ريب .

والأكثر من كل ذلك هو أن البذيء شخص بغيض إلى ربه " فالله تعالى يبغض الفاحش البذيء " كما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك نصا .

فالقلب الذي يشهد تجليات الرب عليه بصفات الجمال يقطر لسانه الشهد ، لأنه ينطق بربه لابنفسه . 

ولنعلم جميعا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين حذر من الغضب فقال " لاتغضب " فإنما عنى به هذا النوع منه المقترن بالفحش والبذاء ، أما الغضب الذي يكون على قدر الموقف ولايخرج الإنسان عن حدود الأدب واحترام كرامة خصمه ، فلا أراه إلا من باب مقابلة الشر بالحسم لينحسم ، على حد قول شوقي : 

والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعا 

       وإن تلقه بالشر ينحسم 

فليس مطلوبا من أحد أن يرضى بالهوان والدون بدعوى الصفح والعفو .

 

 نعم ، جميل أن يتعلم الإنسان العفو ، وهذا بلا شك من عزائم الأمور ، ولكن الأجمل منه أن يلبس لكل حال لبوسها ، ويضع كل شيء في موضعه الصحيح ، وهذه هي القوة في أجلى معانيها ، أعني القدرة على ضبط النفس وإدارة الانفعال والغضب بتعقل وحكمة . 

 

وأختم بقوله تعالى " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولائك ماعليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولائك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " .