أقول : نحن فعلا إزاء مشكلة مؤرقة ، فلا أحد يسلم من أحد ، والناس مشغولون ببعضهم إلى درجة مزعجة ، وغالبا ما تأتي أحكامهم في حق بعضهم جائرة ، وكأن الزمان قد خلا من أفاضل الناس ، وهذا في حد ذاته ينبيء عن خلل اجتماعي وإنساني كبير.
المشكلة الأكبر أن صاحب هذا الشعور إنسان مريض وهو لايدري .
يعني أن يظن إنسان أنه هو وحده فقط الشريف النظيف ، ولايكاد أحد يسلم من سهام نقده ، فهذا إنسان مريض حتما .
ماالحل إذن ؟
أعود إلى نصيحتي فأقول " سلم الناس منك وانشغل بنفسك "
وهذه لراحتك أنت أولا ، ولسلامتك النفسية والإيمانية قبل الآخرين .
و أتحدى أن يعمل أحد بنصيحتى هذه ولايشعر براحة ، وكأنه يعيش الجنة في الدنيا .
ستصلي بعد ذلك بقلبك لابجسمك ، وستصغي إلى القرآن بروحك ، وستشعر بالرضا عن نفسك ، وأنك تستحق وصف إنسان، وهذا شيء مهم جدا .
يعني من بداية اليوم وبعد صلاة الفجر نعزم جميعا ونشهد الله أننا سنسلم الناس منا في هذا اليوم .
لن نغتاب أحدا ، ولن نظن به سوءا ، ولن ننقل كلاما عن أحد مما يسوءه نقله ، ولن نسمع غيبة ولانميمة ، ولن نتتبع عورات أحد ، ولن نذيع سره ، ولن نسب ولن نكذب ولن ننافق ولن نخادع، و لن نتنمر على أحد ، ولن نسيء ظنا بأحد ، ولن ندخل في سفسطة كلام أوجدل لأجل الجدل ، وسنصمت إن لم نتكلم بخير ، ولن نتدخل فيما بين الناس وبين ربهم .
وأبشركم بأن التخلي عن كل صفة من هذه الصفات المذكورات عبادة ، بل وعبادة من العيار الثقيل .
واقتراف سيئة واحدة منها فقط كفيل بإحباط عمل الإنسان كله .
نعم ..
قد يأتي العابد مفلسا يوم القيامة ولا أجر له على الإطلاق ، فقط باغتيابه أحدا أو سبابه أو قذفه ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
فالعبادة لاتعني فقط التبتل وإطالة السجود والصلاة ، العبادة تخلية ، تخلية النفس عن أدرانها أولا ، قبل تجليتها بالفضائل .
والعبادة لاتنفع مع ذرة من كبر ، أو مع أي أذى يصدره أحدنا للآخرين ، ولو بنظرة متنمرة تفقده الثقة في نفسه .
فما أعظم ماتصنع كلمة حانية في إنسان " تبسمك في وجه أخيك صدقة " وماأعظم ماتصنع الكلمة المحبطة والمسيئة " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار "
وبعد أن ننجح في التجربة المقترحة هذه ليوم واحد، سيصبح من اليسير على كل واحد منا تكرارها في غيره، لتتغير بنا الحياة ونصبح أناسا آخرين .
نعم ، سيصبح كل منا إنسانا آخر ، ولكن أسعد وأهنأ وأرقى ، لأنه سلّم الناس منه فسلم.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده "