"ولكننا لن نترككم تحاربوننا، إلا بالحد الذي يحقق مخططاتنا."
الآباء يستحقون الشفقة على أفكارهم أحيانًا، كما يستحق الأبناء أن نصغي إليهم. على مسرح النهار، وفي إطار مهرجان نقابة المهن التمثيلية في دورته الثامنة، قُدِّم العرض المسرحي "الصراع" من تأليف الكاتب اليوناني يورغوس سكورتيس، ودراماتورج وإخراج مروج جمال.
تدور أحداث العرض حول صراع الأجيال بين أبٍ متسلطٍ برجوازي، وابنه الشاب المتمرد على أفكار والده وقيوده ورفضه لسيطرته عليه. يخطط الابن للخروج من المنزل، لكن تتم المواجهة مع الأم والأب ليبدأ الصراع.
أرى أنه صراع من نوع خاص، ذو تصاعد درامي مكثف ينقلنا من حالة استفزاز الابن لأبيه بحواره الجريء معه، كاشفًا عن نقاط ضعف وأخطاء أمام والدته، والتي على جانب آخر تمثل الضحية بين قوتين متصارعتين. لتتحول الدفة بقبضة الأب، فيبدأ باستفزاز الابن بشكل متصاعد بين التعرية النفسية والإذلال ومحاولة توريثه معتقداته.
استسلام الأب لسخرية ابنه وتجاوزاته لم يكن سوى خطة لاستدراج الابن وإعادة التحكم به… فهل هو نصر مزيف أم هزيمة مقنّعة؟
جرعة مكثفة من المسرح الواقعي، وكأنك تجلس بين أفراد إحدى الأسر المعاصرة. وبرغم لغة النص الفصحى، إلا أن مخرجة العرض استطاعت أن تقرّب فكرته باستخدام سينوغرافيا معاصرة، تضافرت عناصرها بين ديكور المنزل المميز الذي عكس نمط شخصية صاحبه (تصميم: محمد عبدالله)، وتوظيف رائع للإضاءة التي ترجمت الحالات الشعورية المختلفة بين البؤر المتداخلة والإضاءة الكاملة والـ«سبوت لايت» (تصميم: أحمد أمين).
أما الموسيقى فكان لها دور درامي مؤثر؛ إذ استخدمتها المخرجة كمفاتيح لتبادل دفة الصراع بين الأب والابن. أعدّت هي الموسيقى ونفّذها مروان عبدالرحمن.
برع "جهاد أبو العينين"في دور الأب المتسلط المتلاعب، مقدِّمًا أداءً راقيًا ببساطة ودون تكلف، فنقل مشاعره المتناقضة من ضعف وقوة، انهزام وانتصار، وصراعه الداخلي بين تمسكه بأفكاره وفخره بمكانته، وبين شعور غريزي بالأبوة، حتى وإن كانت أبوة متسلطة.
أما "أحمد نادي" (الابن المتمرد) فقد قدّم أداءً متميزًا، إذ استطاع أن يتوحد تمامًا مع الشخصية، فكأنك تشاهد أحد المراهقين من أسرتك وهو يتصرف بكل تفاصيلها.
وقدّمت "إسراء الجمل" دور الأم بأداء عميق، عكس انفعالات الشخصية وصراعها النفسي بين خضوعها لزوجٍ نرجسي متلاعب، وبين الحفاظ على بيتها وابنها.
إن "الصراع" حوار اجتماعي واقعي لم يقتصر على طرح فكرة صراع الأجيال فحسب، بل ناقش أيضًا صراع الطبقات وبعض الأفكار الأيديولوجية.