" إقتربنا من الهيكل .... "
قالها مفتش الآثار وهو ينفث دخان غليونه وعلى وجهه أمارات التفكير العميق
إبتسم العالم اليهودي وقال في تملق " أكثر مما تتصور يا سيدي " !!
رفع مفتش الآثار نظره يتأمل وجه العالم ذو الأنف المعقوف والإبتسامة اللزجة ..وقال بلهجة حازمة غير قابلة للنقاش :- " الأمر لا يحتمل أي نسبة للخطأ ... عليك أن تعيد حساباتك أكثر من مرة قبل التقرير النهائي ..ومعك كافة الصلاحيات لهدم المزيد من أساسات المباني الأثرية في محيط الهيكل وبدعم قوي من الجيش ...."
إرتجف العالم اليهودي وانكمش في مقعده أكثر مع هذه اللهجة الآمرة ..ثم قال في محاولة لكسب المزيد من الوقت .." ولماذا يا سيدي هذه العجلة في إيجاد الهيكل ..أنت تعرف أننا نصل الليل بالنهار ولا نتوانى عن إذابة كل ما يعترض طريقنا في بحثنا المقدس المبارك عن هيكل سليمان ؟؟ "
إستدار المفتش ليرمق الأفق البعيد الذي تتوسطه قبة الصخرة وباحة المسجد الأقصى الشريف ... وعض على غليونه قائلاً :- " الوقت ليس في صالحنا ... ،، كل يوم يمر نخسر المزيد من الدعم العالمي لنا في حين تزداد قوتهم ويتضاعف نسلهم ...ويقتربون منه أكثر فأكثر ..
لا حل إلا بهدمه ...!! يجب أن يسوى بالارض ... سيشعرهم هذا بأن وجودهم أصبح بلا قيمة ... ورمزهم الذي ضحوا من أجله بأجيال تلو أجيال أصبح هباء منثورا ...،،
والأجمل حين يكتب التاريخ أنني كنت مفتش الآثار الذي أعاد مجد بني إسرائيل وحسم الصراع لصالحهم "
وابتسم في شراسة ..أوقعت الرهبة في قلب العالم اليهودي بجواره وتسائل عن أي شيطان يسكن عقل هذا المفتش ..!!
إقتحم خلوتهم أحد العاملين يخبرهم بأن هناك إكتشاف هام إستجد على ساحة الموقع
" سيدي هناك باب خشبي مغلق بإحكام يبدو أن ورائه قاعة هامة لأننا انتبهنا إليه بالصدفة برغم محاولات الإخفاء والتمويه حوله"
هرول المفتش يليه العالم الذي تعثر أكثر من 4 مرات في طريقه وسط الأخشاب والأنقاض حتى وصل الجميع إلى الباب الخشبي المقصود ...
اتسعت العيون وخفقت القلوب ..فالباب يبدو مهيب المظهر ...عليه بعض الزخارف و الكتابات باللغه العربية مطموسة المعالم ..
تناول المفتش إزميلا وعمل في إزاحة المزلاج بمحاولات مضنية حتى انفرج الباب أخيراً كاشفاً عن ضوء باهت ورائحة عطن مميزة لمكان قديم مغلق منذ سنين
أشار إلى العالم أن يتبعه ..وأضاء الكشاف ليخطو ببطء خطوات قليلة إلى داخل المكان
وهنا كانت المفاجأة ...،،
تلال من الذهب وأواني الفضة والقلائد الماسية مطعمه بالياقوت ..إنها هي ولا شك ...كنوز الملك سليمان !!
كاد العالم الأبله يصيح لولا أن كمم فاه " ايها الأبله ... يجب أن نحافظ على سرنا بعض الوقت ريثما نستفيد ببعض هذه الكنوز ثم نعلن عن الإكتشاف لحكومتنا "
- " ظننتك تكلمت عن أن الوقت ليس في صالحنا وإنـــ ...."
- "كان هذا في الماضي قبل أن أرى هذه الكنوز ...إنسى الأمر الآن لن أكون يهودياً مالم تصبح هذه الثروة ملكي وحدي ...!!
"الآن إذهب لتصرف العمال وعد إلي بصناديق كافية لتعبئة هذه الكنوز !!!"
إنصرف العالم حانقاً ... فتقدم المفتش بضع خطوات أخرى بداخل المكان ...
نعم إنه شديد الإتساع .. والضوء الباهت يأتي من مكان ما هنا ...بالتأكيد هناك باب آخر أو ممر ...
ولكن ما هذه التماثيل ...!!
إنها تشبه الجنود في زي إسلامي قديم حول قاعة فسيحة يتوسطها عرش عليه تمثال لما يبدو أنه قائد هذه الكتيبة !!
... نعم لا شك .. هذه تماثيل لجيش إسلامي حديثة نوعاً بالنسبة لعمر كنوز سليمان
إذاً هناك من توصل للكنز قبله ..وحرص على إخفائه كذلك ...!!
على ضوء البطارية يتأمل ملامح التماثيل ...متقنة جداً ..تشبه الحقيقية إلى حد كبير ..،، ولكن العرب لم يكونوا شغوفين بالتماثيل كالفراعنة والإغريق لإعتبارات دينية عندهم ...فمن الذي صنع هذه التماثيل إذاً ؟!!
شعر بيد توضع على كتفيه فانتفض قبل أن يرى الأنف المعقوف المميز للعالم الآخر بصحبة عدد من الصناديق الخشبية والزجاجات الفارغة وعلى شفتيه الرفيعتين إبتسامة غامضة !!
إتسعت عيناه في جشع وهو ينقل بصره بين الصناديق وبين الكنز ويتخيل حجم الثراء الذي أصبح فيه الآن ...
الثراءأولا ثم المجد !!
قطع حبل أفكاره نصل سكين مصوبة إلى قلبه ..مع ضحكة عالية مجنونة
" هل جننت ؟!!..، أنا رئيسك وانت مجرد تلميذ من تلاميذي "
قال العالم " انت انتهيت يا سيدي المفتش .. سأقتلك وأستولي على الكنز وحدي ..ثم أرتب الأمر ليبدو كأنها إصابة عمل لك وسينال أولادك معاش يليق بينما أفر بالكنز كله خارج البلاد ..."
"بل الكنز لي أنا وحدي أيها التافه ...!!"
ركل النصل من يديه وأسقطه أرضاً .. وراح يوجه بضع لكمات أخرى ربما تصلح من وضع أنفه المعقوف بعض الشيء !!
تناثرت الدماء على قطع الذهب
وهنا ..دوي صوت البوق عالياً !!
صوت طويل عميق رتيب حزين ...كأنه قادم من أعمق أعماق الأرض ...!!
وعندها حدث ما لم يكن في الحسبان ...!!
التماثيل تتحرك !!!!
نعم التماثيل تتحرك تنفض الغبار تزيل خيوط العنكبوت ..تتجمع كأي جيش نظامي تجاه كرسي العرش
وعلى كرسي العرش ينتصب القائد واقفا ً... شامخاً مهيباً بقامته الفارعه...
أسرع العالم والمفتش ..واختبئا خلف نتوء صخري وكل منهما يشعر أنه في كابوس أو في فيلم من أفلام الرعب القديمة
أحد العسكر يتقدم قائلاً ..:" مولاي صلاح الدين .. لقد سمعنا البوق يدوي من جديد ..هل حان الوقت ؟!!"
صلاح الدين ؟!!
ياللكارثة
أي جنون هذا !!
يتكلم القائد بصوت جهوري .." القدس لا تزال أسيرة إذا تنتظركم يا أبطال ..تجهزوا فإن اليوم يومكم !!"
"بعد إذن مولاي السلطان لو يسمح لي بكلمه ..."
"تكلم يا حكيم ..."
"إنها المرة الثانية التي يدوي فيها البوق ... وقد قضي أننا لا نتحرك لنصرة القدس إلا بعد المرة الثالثة ..
والبوق لا يدوي إلا إذا لمس الكنز دماً يهودياً أو صليبيا ً
من أجل هذا يا سيدي إستعنا بالعلم الذي علمه الرحمن لتنام ومعك خير جنود الإسلام إلى وقت معلوم ..!!"
تهاوى جسد صلاح الدين على عرشه من جديد .." هل يعني هذا أننا سننتظر ؟! كيف يطيب لي النوم وهي أسيرة تستغيث .. كيف نكون هنا وهم من فوقنا استباحوا حرماتنا وعاثوا في الأرض مفسدين "
"إن في الأمر حكمة يا سيدي وكل شيء بوقت معلوم خفي علمه عند خالق الأكوان !!
ستعودون للقدس طال أم قصر الزمان"
" فليكن يا حكيم ... وليصبرنا الله على طعم التراب ..وسكون الأموات ومن فوقنا صراخ أبرياء يتعالى ينفطر له قلب الأحجار"
من جديد يعود الجنود لمواقعهم دقائق تمر ..ثم يسكن كل شيء كأن لم يكن هناك حياة !!
"هل سمعت ما سمعته ؟؟"
"نعم ... سيعود للقدس "!!
"هيا ...هيا نخرج من هناا .."!!
"بسرعة"!!
هرول الإثنان وكل منهما يرتجف كورقة في مهب الريح ... أغلقا الباب جيداً بدعامات خشبية .. وغادرا الموقع
"غدا سأطلب تغيير طاقم العمال بالكامل .. لا يجب أن يعرف أحدا سر هذه الغرفه أبداً ..."
لم يبدو على العالم أنه سمع المفتش ... ثم ما لبث أن قال بصوت خفيض :
" سيدي المفتش .. لم تتبقى إلا مرة واحدة ... من يضمن ألا يدوي البوق من جديد وعندها تكون نهاية بني اسرائيل ..؟!!"
توقف المفتش وإستدار ليرمق باحة المسجد الاقصي للمرة الأخيرة ...
حقاً
من يضمن ألا يدوي البوق من جديد؟!!