احتشدت الأيام في جدول الزمن .. وانحدرت لتجرف معها كل ذكرى وكل ألم ..

عادت هبة تبتسم .. وعادت تستمتع بوحدتها التي لا يشاركها فيها سوى صديقتها المخلصة الوحيدة .. ،

ظهرت نتيجة العام الدراسي وكانت من الناجحين ..، ولكم امتنت لشيماء كثيراً ودانت لها بالفضل في هذه النتيجة ..، لولاها لكان الوضع مختلف تماماً !

لم تتوان صديقتها عن دعمها معنوياً والسؤال الدائم عنها طوال فترة الإجازة الصيفية ..، كانت تعرف أنها تعاني من عقدة ذنب تسعى إلى تكفيرها وتعويضها كونها السبب في معرفة أحمد بها ..،

- تعرفي إن أحمد نجح بس سقط في مادة ؟ هو آخر سنة وده معناه انه هيتكتب فالشهاده بتاعته دور نوفمبر يعني فضيحه طول العمر !!

تلاشت ابتسامة هبة فور سماعها الخبر وهمست في فتور : مسكين جدا على فكرة .. ، عمره ما هيعرف يعيش كويس ولا يتوفق في شيء

تداركت شيماء : تعرفي انه مخطبش رسمي لحد دلوقتي؟؟ مفيش اي خبر عنه هو والهام .. تفتكري في ايه ؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ

عام دراسي جديد ..

أصبحت الجامعة مكان مؤلم بالنسبة لهبة ..، بعدما اصطبغت أماكنها بذكرى تجربة فاشلة ..

غير أن الحياة تستمر ولا تقف عند أحد ..، هو ذات المدرج الذي كان ينتظرها خارجه ولكنه قطعا لن يكون موجوداً خارجه ولا في اي مكان آخر

لكنها خرجت من القاعة .. لتجده واقفاً ينتظر وهو يبتسم ابتسامته المميزة ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

- مش قادر افهم ليه إلهام اتغيرت من نحيتي .. ،فجأه لقيتها بتسوف لقائي بوالدها مع ان العائلتين متفاهمين وبتضرب ارقام فلكية لثمن الشبكة

ثم اشار لعينه اليمنى : وبعدين لما عرفت موضوع عينيا كانت القشه اللي قصمت ظهر البعير ..! قالتلي احنا مننفعش لبعض

جلست هبة امامه تلتزم الصمت التام كعادتها ..، وخطر لها أن صمتها هذا هو كل ما يريد إنه بحاجه لهيكل شخص لا يعارضه ليحكي له فقط !

الدموع في عينيها يمنعها سد الكبرياء ..، وشيء من الشفقه هو كل ما بقي لهذا الشخص عندها ..

- أكيد بتسألي نفسك ليه بحكيلك انتي بالذات الكلام ده ..، فالحقيقة مش عارف يمكن حاسس ان ربنا انتقملك مني وانا كده بديلك حقك ..،

ثم مال للأمام وقد احمرت وجنتاه وتابع : ياسمين مأذتنيش لما رفضتني ..، لكن إلهام أذتني بقوة ..، كانت بتكلم معايا في كل تفاصيل حياتنا الزوجيه بعد كده من غير كسوف .. حتى العلاقة الخاصة بين الراجل والست كلمتني فيها .. حتى الملابس الداخليه للعروسات كانت بتاخد رأيي فيها ..، علقتني بيها قوي وخلتني تخيلت انها مراتي فعلا وبعدين من غير سبب اختفت من حياتي .. !!

صدق حدسها عندما ارتأت في إلهام من النظرة الأولى فتاة لعوب مثيرة تنضح تفاصيلها بالشهوانية ..! ..،

وهناك معيار آخر مقلوب هذا الشخص لا يكف عن اعتناق المعايير المقلوبة .. كيف يأتمن على بيته فتاة بهذه المواصفات ؟؟

قطعت صمتها لتقول : مفيش حاجه ببلاش وكفايه انك اتعلمت حاول تدقق في الاختيار بعد كده ،،

ضحك في عصبية وقال : لالا انا فاشل في الاختيار ..، امي كان معها حق من البدايه انها تختارلي الزوجه وهيا اختارتلي تاني واحده جارتنا خلاص وهنعمل الخطوبة الخميس بعد الجي ..!

أشاحت بوجهها في ضيق .. ما المطلوب منها إذاً ؟؟

قرأ السؤال في عينيها فأجاب : متسألنيش ليه جيت لحد هنا واتكلمت معاكي ..، حسيت اني محتاجلك وبس ..، عارفه يا هبة .. لو خطوبتي اللي جيه دي متوفقتش أكيد هاجي اخطبك انتي ..!!

إلي هنا يكفي ..

نهضت في عصبية وشيعته بنظرة ناريه : انت فاكر نفسك مين ولا فاكرني ايه عشان اقعد استناك ؟؟ اللي لازم تفهمه انك اخر انسان ممكن افكر فيه ..، انت عاجز عن اتخاذ قرار في حياتك وكل اختياراتك غلط لو ليك عندي شيء فهو اني بتمنى تتوفق المره دي بس عشان تلاقيلك مرسى تستقر عنده ..

وتركته فاغراً فاه في بلاهه تتبعها عيناه ..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

انهت ناهد طعامها بينما اكتفت هبه ببضع قضمات ثم نهضتا للإنصراف ..،

كان الشاب الاشقر قد انصرف قبل دقائق ولم يلحظ وجودها خلفه ..

ما إن خرجتا من المحل حتى سمعت هبه صوته : هبه ..

استدارت لتطالعها عينه الوحيده بينما الاخرى تظهر بيضاء بلا عدسات تجميل ..،

انحدرت عيناها إلى أصابعه لتجها خالية من أي خاتم فضي .. إنه لم يرتبط رسمياً حتى هذه اللحظة ..

ما زال يتخبط إذاً ..

- ازيك يا هبه اخبارك ايه ؟؟

أخبارك ايه ؟؟ ابتسمت ساخرة !

ما زالت نظرته مسطحه تفتقر إلى البصيرة

أخبارها انها معاقة عاطفياً للأبد تخشى أي تجربة جديدة ..، ترتجف إذا ما أبدى أحدهم الإهتمام بها وتتوقع النهايات المؤسفة من لحظات البداية الاولى ..،

تعيش العنوسه منذ كانت في الثامنة عشر ربيعاً بكل تفاصيلها المؤلمة والحزينة ..

صاحبت الوحدة .. واعتادت طعم الصبر المرير ..، نهضت مرارا من فراشها فجراً تكتم صرخة ألم وتردد : "لماذا " ؟ !!

عودت نفسها ألا تتعلق بأحد وأن الجميع راحل لا محالة ليس هناك فارس ينتظرها هي فقط ..، لذا تعاملت بميزان متساو مع أكثر من شخص ..

ثم ها هي قد تجاوزت الثلاثين .. وتجاوز عنها الزمن ورحل قطار السعادة الذي لم تجد لها فيه مكان ...

امسكت بيد ناهد واستدارت راحلة دون أن تنبس ببنت شفه ..

تعرف أن خلفها تتأملها ..

عين واحدة ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

(تمت)