هناك لحظات في الحياة، يتجاوز فيها الحزن حدود الدموع.
لحظات لا نجد فيها القوة لنصرخ، ولا الجرأة لننهار، فنكتفي بالصمت… صمتٌ ثقيل يختبئ خلف ملامحٍ تبدو هادئة، بينما في الداخل تعصف العاصفة.
في تلك اللحظات بالذات، يبكي فينا كلّ شيء… إلا العينين.
يبكي القلب وهو يحاول أن يتماسك.
تبكي الروح وهي تبحث عن سببٍ للوجع فلا تجده.
تبكي الذكريات التي كانت يومًا دفئًا وسلامًا، فصارت اليوم مرآةً تؤلمنا.
ومع ذلك، تبقى العينان جافتين، كأنهما اتفقتا على أن تُخفيَا ما لم يعد يحتمل الانكشاف.
ليس البكاء دموعًا دائمًا، فهناك بكاءٌ صامت لا يُرى، بل يُحَسّ.
تسمعه في رعشة الصوت، وتلمحه في نظرةٍ غارقةٍ في اللاشيء، وتشعر به في تنهيدةٍ خافتةٍ تخون اتزان اللحظة.
ذلك البكاء الصامت أشدّ قسوة من أي دمعة، لأنه يسكن الأعماق ولا يجد مخرجًا.
أحيانًا لا نكفّ عن البكاء لأننا أقوياء، بل لأننا استهلكنا كل محاولات الشرح.
تعبنا من تبرير ألمٍ لا يُفهم، ومن تكرار قصةٍ لا يسمعها أحد كما يجب.
فنصمت… ونتظاهر بالثبات، وندفن تحت هذا الصمت أوجاعًا تكاد تخنقنا.
البعض يبكي بالعيون، وآخرون يبكون بالروح، وآخرون بالصمت الطويل.
وفي النهاية، يبكي الجميع، وإن اختلفت الطريقة.
لكنّ أقسى أنواع البكاء، هو ذاك الذي لا تراه، لأن صاحبه اختار أن يحتفظ بكرامته وسط انكساره.
لذا، حين ترى إنسانًا صامتًا أكثر من اللازم، لا تظنه بخير.
ربما هو يبكي بصمتٍ لا يحتاج إلى شهود.
فالعينان قد تجفّان… لكنّ القلب، لا يتوقف يومًا عن البكاء.






































