جلست تصغي للصمت بعدما انتهى من عرضه المغري ..،،
نظرت إليه ودارت عيناها بين قسماته الوسيمة وهندامه الذي يدل على وسطه شديد الرقي ، ثم عادت تدفنهما في قدح الشاي أمامها ..!
- أعرف ما يدور بخلدك ..، عساك تقولين هذا شاب عابث يتسرى بي ولكن أؤكد لك .. أعرف وزن الكلمة قبل النطق بها و عندما أقول شيئاً فإنا أعني ما أقول ،،
تنهدت من جديد .،،
ذلك الفارس الراقي القادم من الأوساط الدبلوماسية التي لا تعرف عنها شيئاً إلا من شاشات السينما ،، لو أشار بإصبع قدمه الصغير لتهافتت حسناوات الطبقات الراقية من كل الجنسيات على نيل رضاه ..، يختارها ليجلس أمامها و يعترف بما لا يعرف هو نفسه متى احتل مضغة في صدره وهوى به إلى مستوى إجتماعي أقل بكثير من ذلك الذي عرفه وتربى عليه ،،
ماذا تراه وجد في وجهها مذعور الملامح ..، وفي هندامها البسيط ؟؟
لماذا يهتم بشدة بكل آرائها ويسعى لتنقيح وزيادة معلوماتها وكذلك يجتهد في قراءة ما بين الأسطر ليعرف أشياء عن طباعها وأسلوب تفكيرها ؟؟
لماذا يلتمس لها العذر دائماً و لم يرها شرسة حادة سليطة اللسان كما يراها كل من لا يعرفها عن قرب مثله ؟
بلهجة تقريرية تفرض ولا تخير قال لها : أنا أحبك .. وثقي أنها المرة الأولى التي أقولها لفتاة ،،
ارتجفت يداها على إثر الكلمة المزلزلة .. وزحفت قشعريرة باردة على جسدها الضئيل جعلتها تنكمش في مقعدها أكثر فأكثر ..،
كم تمنت هذه الكلمة .. كم عاشت تحلم بها .. وبعدما أوشكت سنواتها العشرينية الغضة على الرحيل إذا بها تسمعها .. وممن ؟ من شاب تتمنى فتيات المدينة أن يقطعن ذراعهن الأيمن ليبتسم لهن فقط !
ولكن مهلاً .. الأشياء ليست دائماً بهذه البساطة ..،، والقدر لا يمنح شيئاً إلا ويأخذ بقدره ،،
هذا الشاب في غمرة نشوته بإحساس الحب لم يتدارك حقيقة ما هو مقبل عليه ..، ترى بعين الخيال أحد أفلام فاتن حمامة وأحمد رمزي يتكرر من جديد ..، سيتقدم ذلك الشاب الراقي إلى والده الأكثر رقياً ليصارحه برغبته في الإرتباط من فتاة من عامة الشعب المكافح ..، ليس لها أب وزير ولا أم من سيدات المجتمع ..، ليست في جمال (مس إيجيبت ) ولم تعرف قدماها الطريق لمراكز التجميل ،،
ترى الأب يثور .. والإبن يتمسك وقد تفرعت الطرق به إلى مستقبل يحمل غضب الوالدين والطرد من الجنة أو الإنصياع لأوامرهم وتحطم قلبها بعد أن تعلقها بحلم ليس لها ،،
- لا أطلب منك الآن رداً على ما قلت ،، بوسعك التفكير في الأمر ،، أعرف أنك ذكية لماحة مثقفة قادرة على خطف الأنظار إليك إذا ما تكلمت فقط لو تعلمت كيف تثقين بنفسك ،، فقط لو التزمت قليلا بالدبلوماسية في الحديث وأقلعتي تماما عما تستخدميه من عبارات صادمة لوصف الواقع !
جميل .. هنا خطوة تراجع غير مبشرة على الإطلاق !
إنه يعرف في قرارة نفسه بأنها أقل بكثير من أن تعرض على مجتمعه ويشير بلباقة إلى ضرورة أن تبدأ في ارتداء ما تلزم الدبلوماسية بارتدائه !,,
لو قبلت فلسوف يكون عليها أن تستمر في القبول لمزيد من الملاحظات ولسوف تعاني كثيراً بين ما تربت عليه وما يريدها أن تكون عليه ..، حتى ينتهي بها الأمر إما مريضة بالشيزوفرينيا أو بأن تكون سيدة مجتمعات لا تملك من حياتها القدر اليسير من الخصوصية والسرية والراحة النفسية ،،
نظرت إليه ..
وسيم جذاب ستنتحر كل صديقاتها حسداً عليها وقهراً منها لو كان من نصيبها ..،
راقي بشدة ..، ولكن مزاجه في اختيارها يعني إما بساطة مبالغ فيها أو عقدة تنتاب كل شاب مثله عندما يبحث عن الأقل منه ليجد عندهم صدقاً وراحة لم يتوافر له طيلة حياته
ابتسمت في حزن .. وهي تقلب الملعقة في فنجان الشاي ..،، ثم قالت بصوت ساخر :
- هل تعرف أني لا أميل إلى السكريات ؟!
قطب حاجبيه في استفهام مهذب عن علاقة سؤالها بموضوع الحديث ..،،
إستطردت والدموع في عينيها : السكريات كل ما هو حلو .. حلو أكثر من اللازم ..، بعض الناس تدمنه حتى تتسوس أسنانهم ..، لكني لا أفهم ولا يفهم المقربين مني سبب كراهيتي للحلوى ،،
ربما لأنها حلوى .. تليق بالأحلام .. ولكن الواقع المرير لا يليق بها
لم يبدو عليه أن الفكرة قد وصلته .. غير أنه بشكل ما فهم أن الإجابة سلبية ..،
- أنا أحبك وهذا لا رجعة فيه ولا هروب منه ..، ولكن يبدو أن الحال عندك مختلف وأنك عاجزة عن فهم ذلك المعنى مني ..، لذا لن أفرض نفسي عليكِ أكثر
ساد صمت ثقيل في الدقائق الأخيرة ..، راقبته وهو يبتعد ثم تمتمت باسمة :
مذاق الحب حريف أيها الوسيم .. ليس سكري !