في مثل هذا اليوم العام الماضي طلب منها المصروف ليشتري لها هدية ..!
ضحكت ضحكتها الصافية ..، وقالت وصلتني هديتي منذ رزقني الله بك يا وحيدي
سأعلمك كيف تزرع الورود .. لتقطفها لي العام القادم
*******************************
كانت مريضة .. بمرض لا شفاء منه ..
لم تكن طفولتها كمثيلاتها ..،
ولدت لتستقبل رائحة المستشفيات على أسرة المرض ..
الرحلات المدرسية ترف لا تحتمله صحتها ..فأقل مجهود كفيل بأن يلزمها الفراش شهراً آخر
قائمة الطعام لا تعرف منها إلا صنف أو صنفين .. كما أن عليها نسيان الحلوى تماماً
هي طفلة وحيدة رزقت بها أمها بعد معاناة خاضتها مع أطباء النساء لإنجاب طفل ..
ثم انتهي كل شيء في الشتاء الماضي ...
*******************************
نثر الطفل أوراق الورد والياسمين ...
وبصوت متهدج .. همس:- أشتاقك.. أمي
*******************************
حرقة قلبها لا تبرد إلا هنا ... بجوارها
فقط تتمني لو تنبعث يديها الصغيرة المعروقة فتقبلها وتغسلها بالدموع
فقط لو تستطيع أن تضمها ولو مرة تزهق بعدها روحها ..فتدفن معها ..!!
*******************************
فقط لو يستطيع أن يرتمي بأحضانها ولو للحظة
يقول لها هاك الورود .. وعقود الياسمين..!
يشتكي لها ألم الرحيل وقسوة الحياة علي صغير بائس بلا أم ...
تذكرها.. بوجهها الصبوح ..تعد له شطائر المربى بالقشدة
لم تعد بعدها بنفس المذاق في فمه ... ربما لأنها غدت مغموسة بمرارة اليتم
تذكر كيف كان يصحو فزعاً ليتلقاه حضنها الدافيء تربت عليه
تمرر أصابعها الغضة علي خصلات شعره وهي تتلوا آيات القرآن ..
كيف يمكن لشياطين العالم بعد هذا أن تؤذيه ؟؟
" لماذا تركتيني عاريا ..عودي " !!
إرتمى المسكين علي قبرها وأجهش ببكاء يمزق نياط القلوب ...
*******************************
كانت تبكي في لحظاتها الأخيرة وتقول " أمي .. هل سأموت ؟! "
تبكي ألماً
تبكي خوفا ً
تبك.........
تناها إلى مسامعها صوت بكاء ابنتها ..دارت حول القبور كالمجنونة تبحث عنها
فرأت المسكين ينكب على التراب كما لو كان سيغوص فيه
تفجر في قلبها ينبوع الأمومة الذي لم ينضب يوماً ولم يرحل برحيل الغالية
أقبلت عليه تلثم حبات التراب علي جبينه
تعصره بذراعيها بشوق إلى جسد ضعيف هزيل يحفه التراب الآن
أشرقت أخيراً إبتسامة من بين الدموع ...
ثم أمسكت يديه .. وغادروا سويا ..