هل من وسيلة للإتصال بإيهاب ؟


مر أكثر من أسبوعين ولا خبر عنه .. لم يتصل ولم تجد للمقربين منه سبيلاً ..،


لم تعد تهتم بالدراسة كما أن صحتها العامة في تدهور مستمر .. ثمة كوابيس ليلية لا تنقطع تدور أغلبها في وسط مائي ما .. تنتهي دائما بالاختناق حتى إنها أًصبحت تخاف الماء يقظتها وتتخيل تحلل جسدها وترممه تحته


كما أن تغيرات أخرى بدأت تطرأ عليها تدريجياً
إنها تستبصر المستقبل القريب للمحيطين بها ولا تجروء على التصريح بما تراه
..حاسة الشم لديها أصبحت حادة جداً .. لم تعد تخاف القطط بل على العكس انها تفهم نظراتهم وموائهم كأنما هي منهم





صداااع مزمن مستمر أصبح يلازمها


ليست الدراسة هي السبب لأنها ببساطة في إجازة مرضية من المدرسة والدروس والحياة ككل وأصبح الأمر واقعاً مفروغاً منه إن الفتاة لن تدخل امتحانات هذا العام


تم حجزها بضعة أيام في المشفى لإجراء الفحوصات اللازمة في محاولة لتبين سبب تلك الكدمات الزرقاء التي كادت تقضي على اللون الوردي لجسدها بالكامل وكذلك الصداع الذي أصبح جزء من روتينها اليومي فكانت النتيجة أن الفتاة سليمة تماماً


الحالة النفسية ..من سيء لأسوء بعدما انقطعت أخبار إيهاب وفقدت كل وسيلة للإتصال به ..، وكذلك هي لم تعد تطيق الناس ولا ثرثرتهم المزعجة ونظراتهم الوقحة ..، كما أن الجميع صار يتجنبها وقد بدت لهم أقرب للجنون بنظراتها الثابته في عينيها الجاحظتين كما إنها ازدادت نحولاً وشحوباً وصارت غير مهتمة بالهندام صوتها عال وعصبية بشكل دائم


بمعنى أدق .. صارت تنسحب من العالم الطبيعي وشيئاً فشيئاً أصبحت إقامتها الدائمة في حجرتها مسدلة الستائر لا تطيق النور ولا الضوضاء ولا البشر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الطابق الثالث .. كانت السيدة أم عمرو تقوم بأعمالها المنزلية ..بدأت في غسيل الملابس بعدما انتهت من تنظيف الشقة وتنظيف الأرضية ومسحها

كانت تحمل طبقاً بلاستيكياً كبيراً يحوي الغسيل المبلل وقد همت بالتوجه به الى الشرفه لنشره عندما لاحظت على الأرضية النظيفة شيء ما ..

وضعت الطبق بعيداً وانحنت تستكشف هذا الذي وجدته

قطرات من الدماء ..

قطرات دماء طازجة تسير في خط متعرج لكنه واضح المسار كأنما هناك من كان يسير وهو ينزف في الشقة التي تقطنها وحيدة بعد وفاة زوجها

تتبعت قطرات الدماء .. إنها تشكل خطاً واضحاً بين دورة المياة ومنتصف غرفة المعيشة ..

نظرت لسقف الحجرة فوجدته رطباً .. الجدير بالذكر هنا هو أن سقف شقتها هو باطن أرضية الشقة المهجورة في العقار

(بسم الله الرحمن الرحيم )

ارتدت العباءة السوداء على عجل وغطاء رأس كيفما اتفق ثم أخذت مفتاح الشقة وغادرتها ..، لقد فاقت الأمور كل حد ممكن وعليها أن تبحث لها عن سكن جديد بعيد عن هذا البيت
ولكن الان يجب أن تجد صحبة ما .. إن والدة إسراء سيدة طيبة ترحب بها دائما وتصغي لثرثرتها .. ستقضي معها بعض الوقت بحجة الاطمئنان على صحة ابنتها

صعدت الطابق العلوي وهي تتحاشى النظر الى باب الشقة المهجورة .. خيل إليها أنها تسمع أصوات بالداخل كأنما هي مخالب تتعلق بالباب .. حانت منها التفاته متردده الى الباب الخشبي

نعم .. إن هناك آثار مخالب على خشب الباب الخارجي

صعدت مسرعة إلى الطابق الأخير .. فقط لتجد ذلك القط على باب الشقة .. كأنما ليحرسها

رابض في شموخ كما هي صورة أجداده عند الفراعنة لونه الأسود الزاهي وشعره الناعم ونظرته الثابته الواثقة تزلزل في النفس كل حصون الكبرياء وملكوت العقل

راحت تقترب ببطء وهي تتوقع أن يفر ككل قط آخر .. لكن على العكس .. كان يثبت عينه في عينيها كأنما يقرأ أفكارها

وقفت على بعد قريب : ( يا ست ام اسراء ) ...

هنا تحرك القط

وقف يمد جسده كأنما أتعبه الرقاد .. ثم بكبرياء راح يهبط درجات السلم ..
التفت إليها وكشر عن انيابه في مواء لم تسمعه
ولكنها شعرت به
أخيراً انفتح الباب وظهرت السيدة أم اسراء باسمه ترحب بضيفتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ

- حالها لا يسر عدو ولا حبيب .. أفضل رسوبها بالتأكيد ولا اني اراها تذبل كل يوم
قالتها ام اسراء ثم انفجرت باكية ..،
- كل الابناء في سنها نفس الشيء ضغط الدراسة يتسبب لهم في الكثير من الإعياء يومين وتطيب باذن الله
- يارب يا ام عمرو ..
- ربنا يخليهالك .. ايييه الوحدة صعبة ! بعد وفاة زوجي أصبحت أخاف من كل شيء ..، هل تذكرين أرغفة الخبز التي كان يجدها سكان العقار أحياناً على الأبواب ؟؟ أيامها كان المرحوم موجود ألقاهم في المهملات وهو يحذر من لمسهم ..، لأن (بسم الله الرحمن الرحيم ) يتقربون بها من الإنس ومن قبل هديتهم صار بينهم وبينه عهداً
- هل تقصدين أن آكله أصبح لهم؟
- نعم .. هل أكله أحدكم هنا ؟
- لـ .. لا .. لا اظن !
ونظرت الى باب غرفة اسراء المغلق .. ترى هل يكون كل ما حدث لابنتها هي السبب فيه ؟؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت حاملاً في الشهور الأخيرة عندما سمعت نقرات رقيقة على باب البيت فجراً .. رجحت أن يكون زوجها الذي كان يعمل في فترة مسائية بأحد الفنادق السياحية

ازاحت مزلاج الباب وفتحته ليصطدم وجهها بالهواء البارد المميز لهذا الوقت .. لم يكن هناك أحد .. همت باغلاقه مجدداً لولا أن لاحظت عدداً من أرغفة الخبز الساخنة على باب الشقة ..!

غريب هذا من الذي وضع هذا الخبز ؟؟ إن حرارته كأنه للتو خارج من المخبز كيف احتفظ بحرارته في هذا الطقس البارد ؟؟

انحنت تجمع الأرغفة الساخنة ثم قامت برصها على الطاولة بجوار الباب .. ان الأطعمة الساخنة محببه في هذا الطقس البارد .. تناولت أحد الأرغفة واقتطعت منه جزء ثم قضمته في تلذذ

راقها طعمه فأحضرت من الثلاجة بعض الجبن وقامت بحشوه في باقي الرغيف ثم أكلته ..

ان النعاس يداهم عيناها مجددا .. قدماها ثقيلتان تجرهما جرا نحو الفراش .. استلقت هناك وراحت في سبات عميق ..

بين النوم واليقظه رأت زوجها - والد إسراء - في الغرفة يتحرك ويقترب منها .. يضع كفيه على بطنها المنتفخ

- اهذا أنت يا إبراهيم ؟
- لا للأسف ضغط العمل اضطرني للمبيت هناك وربما اغيب ليومين
ثم بصوت عميق يتمتم وهو يتحسس بطنها : هذه الفتاة لي ..!
ابتسمت في ضعف قبل أن يخطفها النوم مجدداً الى أعماق الاحلام

استيقظت صباحاً على صوت رنيين الهاتف . . تلفتت حولها فلم تجد أحداً . .

تناولت السماعة لتتسائل عمن هناك . إنه صوت زوجها !
- ا.. انت لم تأتي للبيت منذ الأمس ؟
- لا للأسف ضغط العمل اضطرني للمبيت هناك وربما اغيب ليومين
- ...............................................
أين سمعت هذه الجملة من قبل ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- عليك بالرقية الشرعية وان شاء الله هتكون بخير ..
اخطتفتها ام عمرو من شرودها فابتسمت بعصبية .. : ربنا يستر
هنا فتحت اسراء الباب ..
نظرت الى السيدة ام عمرو كأنما لا تراها .. ثم اقتربت لتجلس بجوارها من دون ان تنطق بكلمة ..
الواقع أن السيدة انتابتها قشعريرة باردة لمرآها وودت لو أن تغادر البيت حالاً ان قطرات الدماء في شقتها أجمل من هذه المومياء التي خرجت تحدق فيها للتو !
وضعت يديها على ركبتي الجارة وتأملت عروق وجهها ورقبتها في اهتمام ..
ان السيدة ترتجف وقد لفحتها انفاس الفتاة الكريهة ولكنها في نفس الوقت لا تقوى على الحركة
- انتي مريضة يا سيدتي .. مريضه بشده وعليكي مراجعة الطبيب !
الواقع ان اي متأمل للموقف سيعرف على الفور من المريض الشاحب النحيل الذي عليه مراجعة الطبيب ولكن اسراء تبدو واثقة مما تقول...
- ل..لا انا بخير يا ابنتي الحمد لله فضل ونعمه من الله
اسراء بعصبية : مريضة .. يجب أن تدركي ان النزيف على وشك أن يبدأ ..!
- ان شاء الله ربنا يسهل .. انا هستاذن للضرورة !
ثم تقفز بسرعة من مكانها وتفتح باب الشقه لمغادرتها .. تباً ان ركبتها كالثلج من ملمس الفتاة لها
- كرريها يا أم عمرو اننا نفتقدك بشده
- ان شاء الله ربنا يطمنا على اسراء
هنا تقطع اسراء الحديث .. :
لا تفكري في ترك شقتك ابداً يا سيدتي .. انا لك ناصحة أمينة !

يتبع