هل كان منطقيًا أن تتخلى فؤادة عن عتريس، بل وتقف في وجهه وتعانده حتى يلقى مصيره الذي يستحق؟
وهل كان ممكنًا أن تستغل حبه لها ورغبته الجامحة في امتلاكها لتغيّر دفة الأمور إلى الأفضل لكليهما وللناس؟
فؤادة، تلك الشابة القوية الحرة، التي تأثرت في البداية بالمصير الذي انساق إليه عتريس بحكم تربيته القاسية؛ تربية حوّلت فتى حنونًا يحب طيور الحمام إلى طفل سادي يستلذ بذبحها.
ما الذي يمكن أن تعلّمنا إياه فؤادة بتمسّكها بمبادئها، ومقاتلتها لرغباتها كامرأة زُوِّجت لرجل تحبه ويحبها؟
لقد خلعت ثوب قلبها، وأحكمت ارتداء درع عقلها.
فؤادة، التي فتحت لنا الهاويس في العقول على فيضٍ من الأسئلة، أدركت أن ما أفسده الزمن من فطرة لا يمكن أن يصلحه شيء: لا الحب، ولا الرغبة، ولا أي دافع آخر. فالزمن والمجتمع يتركان بصماتهما على حياتنا، ولا يمكن التنصل منها مهما حاولنا.
كانت فؤادة أذكى من كثير من بناتنا اللواتي يتمسكن بالشخصية السامة، رغم ما رأين من علامات وإشارات وتجارب، متعلقات بأمل زائف اسمه التغيير.
وإن الله، وهو الخالق القادر على كل شيء، يقول في محكم كتابه:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾
فالتغيير ينبع من الداخل، وتسانده العوامل الخارجية مثل الأسرة والمحيطين والمجتمع.
لا أقول إننا نتنصل من دورنا في النصح والإرشاد ومحاولة التقويم – كلٌ في مجاله – لكني أقول: لا ننخرط بقلوبنا وحياتنا وأموالنا ومستقبلنا مع من لا يرغب في تغيير نفسه، أو لا يؤمن أصلًا أنه بحاجة إلى أن يكتوي بنار التغيير.
وإن فعلنا، فلا نلومنّ إلا أنفسنا على ما أصابنا من حروق.
وهنا تكمن رمزية فؤادة التي تجاوزت حدود الدراما: امرأة تحب وتُحب، ومع ذلك تختار العقل لا القلب. ترفض أن تكون أسيرة أمل زائف، وتواجه بوعي أن الحب وحده لا يكفي لإصلاح ما أفسدته جذور قاسية وزمن قاهر.
إنها رسالة عابرة للزمن:
كم من نساء اليوم يتمسكن بعلاقات سامة، متجاهلات كل العلامات، متعلقات بالوهم ذاته، أن "الحب سيغيره"، أو أن "الزمن كفيل بإصلاحه". لكن فؤادة تعلّمنا أن التغيير لا يُمنح من الخارج، بل يولد من الداخل، ومن لا يريد أن يتغير بنفسه لن يُغيره أحد.
فؤادة لم تكن قاسية، بل كانت أكثر إنصافًا لذاتها ولحياتها. لقد منحتنا درسًا خالدًا: لا نُهدر أعمارنا على من يرفض أن يرى جراحه، ولا نُحرق قلوبنا باسم التغيير المستحيل.