نشرت الوهابية السلفية فكرة تقول:
«ما فيش واسطة بينك وبين ربنا»، وأصبح العوام يرددون هذه الكلمة بدون فهم أو وعي وهي كلمةُ حقٍّ يُرادُ بها باطل.
صحيحٌ أنَّه بإمكان كلِّ إنسانٍ أن يتواصل مع اللهِ مباشرةً بالدعاء،
لكنَّ هذا لا يعني أنَّ الواسطة غير موجودة، أو أنَّ اتخاذها يُعَدُّ شركًا.
فاللهُ سبحانه وتعالى لا يتعامل معنا أصلاً إلا من خلال واسطة.
فالوحيُ لم يتلقَّه الأنبياءُ والرسلُ مباشرةً من الله دون واسطة،
بل كانت الواسطةُ دائمًا موجودة، وهو جبريلُ عليه السلام.
واللهُ سبحانه وتعالى لم يُخاطب عوامَّ البشر مباشرة،
بل يُخاطبهم دائمًا من خلال واسطةٍ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
واللهُ سبحانه وتعالى لا ينفخ في الأرحام مباشرة،
بل ينفخ فيها بواسطة الملك المختص بالنفخ في الأرحام.
واللهُ سبحانه وتعالى لا يقبض الأرواحَ مباشرة،
وإنما يقبضها بواسطة ملك الموت.
واللهُ سبحانه وتعالى لا يُحصي أعمالَك ولا حسناتِك وسيئاتِك مباشرة،
وإنما بواسطة رقيبٍ وعتيد.
فوجودُ طرفٍ ثالثٍ بينك وبين الله لا يلزم منه الشركُ مطلقًا.
فعندما تطلب من أمِّك — وأنت في ضيقٍ أو مشكلة — أن تدعوَ لك،فأنت هنا قد اتخذت واسطة بينك وبين الله،وهذا ليس شركًا أبدًا،
ولا يُلغي صلاحيتَك في التوجّه مباشرةً إلى الله بالدعاء من غيرها.
وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أصحابَه
أنَّ الناسَ يوم القيامة يستغيثون بآدم،
ثم بنوح،
ثم بإبراهيم،
ثم بموسى،
ثم بعيسى،
ثم يستغيثون به صلى الله عليه وآله وسلم.
فهذه ستُّ وساطاتٍ وليست واسطةً واحدة،
ولم يقل لهم النبيُّ إنَّ ذلك حرامٌ أو شركٌ،
ولا قال لهم: "ليس بينكم وبين الله واسطة"!