بكل روح متقدة،
و بحماس لا يعرف الانكسار، تجمعت جحافل الوجوه لتمتطي صهوة البحار، قاصدة جزيرة منسية تتجرع في صمت كل أنواع البلاء.
رفعوا رايات الأمل فوق الأمواج، و غزلوا بخيوط العزم طريقا لا يعرف الرجوع.
لكن الحيتان الجشعة اعترضت سبيلهم، ابتلعت حقوقهم كما يبتلع الليل آخر خيوط النهار،
و أجهضت أحلامهم قبل أن تبصر النور.
ومع ذلك لم يتراجعوا.
كانوا ينوون أن ينعموا بابتسامة واحدة تنبت الحياة في وجوه ذابلة،
و بحفنة دموع تروي تفاصيل الواجب، وتغسل عن جبينهم غبار الخوف و الخذلان.
تقدموا رغم العواصف، تحمل صدورهم وصايا الكرامة، و في أيديهم مشاعل لا تنطفئ.
وكل موجة تعترضهم تزيدهم صلابة، وكل يد تحاول قهرهم تقربهم من شاطئهم المنشود.
لم يسعهم المجد الشخصي، ولا هتاف يمجد أسماءهم، بل وطن صغير في قلب المنسيين، نبضة حياة توقظ الجزيرة التي خذلها الجميع.
و في الطريق، كانوا يدركون أن وراء الأفق مدينة محاصرة،
تختنق بين الحديد
و الجدران،
تقف على حافة الجوع والرجاء،
وتنتظر — منذ زمن طويل — أن يلوح البحر بيد تنقذ أبناءها.
و في عيونهم ولد الفجر،
و في صمتهم كانت الأغاني تغنى،
وفي صمودهم تعلمت البحار أن تنحني أمام إرادة الإنسان.
لكن الرحلة لم تسدل ستارها بعد…
ففي الأفق، تتكاثر الغيوم كأنها تحجب غضبا لم يعلن بعد،
وفي الأعماق، تتربص الحيتان بصمت قاتل،
و الجزيرة — من أقصى وحدتها — ترسل نداء يرن في قلب الصمت:
"اقتربوا… فالملحمة لم تبدأ بعد."
ومن رحم الصمود، ينبثق فجر جديد،
و تتفرط من سبحة الغيب أسراب موعودة:
سرب التحدي الذي يعبر الريح بلا خوف،
و سرب الوجود الذي يغرس جذور المعنى في أرض الغياب،
و سرب النور الذي يشق العتمة بقبس من إيمان،
و يشعل في ليل الهزيمة ملامح الفجر.
كل سرب يحمل سرا لم يفصح عنه،
و حكاية لم ترو بعد،
و نبضا لا يقهر،
و خطوة تمضي، ولو زأرت في وجهها العواصف.
وفي هذا الصمت المشحون، تعلم القلوب أن الصمود ليس مجرد فعل، بل نغمة حياة،
و رحلة من نور، و عزف مستمر على أوتار الإرادة.





































