هناك مشاعر لا تُحكى، وأوجاع لا يعرف حقيقتها إلا من تذوّقها يومًا. كثير من الأشياء التي نمرّ بها لا تجد طريقها إلى الكلام، ليس لأننا لا نريد، بل لأن الألم أحيانًا أكبر من أن يُوضع في جملة أو يُحكى في قصة.
الذي عرف الخسارة، لن يحتاج أن يسمع شرحًا طويلًا ليتفهم ارتباكك. والذي عاش الوحدة، يقرأ التعب في العيون حتى لو ابتسمت. والذي مرّ بليالٍ ثقيلة، يشعر بثقل صدرك قبل أن تنطق.
الفهم الحقيقي لا يأتي من التعاطف فقط، بل من التجربة… من الوجع الذي ترك علامة تشبه علامتك.
ومع أن الحكم على الآخرين سهل، إلا أن الاقتراب من قلوبهم أصعب. نحن لا نعرف ما يحمله الناس خلف هدوئهم، ولا ماذا فقدوا حتى وصلوا إلى ما هم عليه الآن. لذلك، لا يحتاج العالم إلى مزيد من الآراء بقدر ما يحتاج إلى قلب يسمع دون أن يقاطع، وصوت يربت لا يلوم.
قد لا نستطيع أن نمحو معاناة أحد، لكننا نستطيع أن نكون ألين، وأن نترك مساحة تسمح للآخر بأن يتنفس دون خوف. كلمة بسيطة، نظرة صادقة، أو حتى وجود صامت… أحيانًا يكفي ليذكّر الشخص بأنه ليس وحده.
وفي النهاية، ليست المعاناة علامة ضعف، بل دليل أن القلب ما زال حيًا، قادرًا على الإحساس رغم ما مرّ به. وكل وجع عشناه، رغم قسوته، يفتح في داخلنا نافذة للفهم والرحمة—لأنفسنا أولًا، ولمن يشبهونا في الطريق نفسه ثانيًا.
وهكذا، يصبح العالم أخف قليلًا… حين نجد من لا يحتاج إلى شرح، لأن وجعه يشبه وجعنا.





































