هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • لن يغير من الحقيقة شيئا | 2024-07-26
  • لا لمسؤولية بيت ابني المتزوج | 2024-07-26
  •  دراسة التاريخ ليست إلهاءً | 2024-07-26
  • دَغبَش | 2024-07-25
  • الحرب والشتاء  | 2024-07-25
  • مرة أخرى | 2024-02-08
  • أول ساعة فراق | 2024-07-26
  • لحم معيز - الجزء السابع والأخير | 2024-07-25
  • لم أكن أعرفك … | 2024-07-26
  • لماذا المنهج الصوفي أفضل من السلفي؟ | 2024-07-26
  • الإنتاج هو الحل،، كبسولة | 2024-07-26
  • وكلما مر عليه ملأ من قومه !!!!! | 2024-07-25
  • ماتت سعادتي | 2024-02-05
  • دواء الدنيترا و سرعة ضربات القلب ، حالة خاصة ، ما التفسير؟ | 2024-07-25
  • انت عايز تتربى  | 2024-07-24
  • سيدات ثلاثية الأبعاد | 2024-07-24
  • أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ونواهيه في رؤيا منامية، هل تلزم الرائي ؟ | 2024-07-24
  • المعنى الحقيقى للزواج فى زَمَنِنا هذا | 2024-04-05
  • الفجر والغسق | 2024-07-24
  • ليس محمد صبحي !! | 2024-07-24
  1. الرئيسية
  2. مدونة رانيا ثروت
  3. فطيـــــمة - بقلم رانيا ثروت

تربط عقدة منديل رأسها المبرقش بعزيمة وإصرار، ناظرة للمرآة في تحد.
فطيمة، اسمها الذي طالما شعرت نحوه بسخرية لا تقل عن مفارقة كونه اسما شائعا في أوساط لا تمت لها بأي صلة إلا خدمتها، تتجه صوب أمها العجوز حاملة ملابس نظيفة إستعدادا للحمام اليومي الذي تعطيها إياه قبل أن تحضر لها إفطارا "ملوكيا" مكون من بيضة وكوب لبن وربع رغيف من الجبن الأبيض تطعمها إياه وتقبل يديها ثم تأخذ أبناءها الذين أيقظتهم معها ليستعدوا للذهاب إلى مدرستهم وترحل مغلقة الباب المتهالك ذا الطبلة الخربة والترباس الصدئ وراءها.
كم أخبرت حسين زوجها بأن يصلحه ولكنه لا يفعل متعللًا بضيق ذات اليد صارخا في وجهها:
"إنشا الله عنه ما اتصلح، مفيش فلوس، أجيب لكم منين وبعدين هي المخروبة دي فيها إيه يتخاف عليه".
تنظر له بأسي ولا ترد.
ليس هذا حسين الذي تزوجته وهي مازالت ابنة الثمانية عشرة عاما، الشاب البريء الطيب الذي لا تفارق عيناه الأرض. ماذا حدث له ؟ .. تغير كثيرا منذ أهلكته الأعمال الثلاثة التي يعمل بها حتى يكفي احتياجات بيته، فهو نادل صباحا وعامل (جراچ) عصرا ويوصل طلبات على دراجة نارية مساءا، وبالرغم من ذلك لا يستطيع أن يلاحق طلبات البيت وغلاء الأسعار التي تزداد كل يوم.
أكل شبابه الإرهاق والتعب وامتص رحيق عمره الهم والمسئوليات التي كلّ متنه بها، وهنا لم تستطع فطيمة الوقوف ساكنة فقررت أن تعمل في خدمة البيوت لاسيما أصحاب المنازل الخاصة الكبيرة التي يثير اسمها تعجبهم وسخريتهم أحيانا، تنظف المنزل تحضر الطعام وتعيد ربط منديلها الذي تهدل وتعقده بعزم المحاربين المقدمين على المعارك لتمسك بالممسحة والدلو وتقوم بتنظيف أرضيات المنزل محنية الرأس مكسورة الظهر، تتحاشى نظرات "البهوات" لجسدها الهزيل الذي ابتلت ملابسها فالتصقت عليه، ينهشونه رغبة في تذوقه فبالتأكيد له طعم آخر يخالف مذاق الأجساد الرياضية الممشوقة ذات الوجوه البلاســتيكية المزينة بالعجــرفة والتعـــالي "للهوانم" الذي لا يرضي غرورهم الذكوري، تلك الانحناءة والنظرة المنكسرة هي ما تشعل فيهم كبرياء الرجولة، تتحاشاهم وتنهي عملها مسرعة لتلحق بميعاد خروج الأولاد من المدرسة.
تعليم الأولاد كان هدفها وأمنيتها التي استطاعت تحقيقها وهي حريصة عليها حرصها على الحياة نفسها مهما تكبدت من معاناة ومشقة، تعود للمنزل تركل الباب بخفة فينفتح لتجد أمها وهي تنظر لها في أسى فتداعبها قائلة:
"وحشتني يا أمي.. بس أنت احلويتي قوي عن ماسبتك لا ده انا حا خبّيكي من العرسان".
فتضحك الأم وتذهب فطيمة لتحضر الغداء وتقوم بأعمال المنزل وتذاكر للأبناء دروسهم على قدر ما تعلمته بشهادتها المتوسطة، ليأتي حسين في المساء وتحضر العشاء ويجلسون جميعًا في صمت ليقوموا إلى النوم استعدادًا ليوم آخر من الشقاء.
يوما ما، استيقظت فطيمة كالعادة ونظرت للمرآة عاقدة منديلها بنفس القوة لتبدأ يوما لا يختلف عن غيره من الأيام الأخرى، لتعود هي والأولاد لتجد الباب مهشّما تماما تهرول للداخل باحثة عن أمها وهي تنادي عليها:
"يام ... يام.... أنت فين ؟ ! إيه اللي حصل ؟! ".
لتجد نفسها تقف أمام مشهد بشع لجثة الأم المذبوحة والدماء تلطخ كل ما حولها، تجلس فطيمة القرفصاء وتحتضن أمها وتبكي وتصرخ ثم تصمت وتنظر لها وتقول:
"حتوحشيني يام .. بس تعرفي أنت احلويتي قوي بس يا خسارة معرفتش أخبيكي يامّه لا أنا ولا حسين قدرنا نصلح الباب".
يسقط منديل رأسها تغرقه الدماء تدريجيا لتختفي برقشته الزاهية.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

267 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع