عبدالله شاب نشيط موفور الصحة والشباب دائماً أنيق حسن الهيئة والمظهر، يهوى السفر ويعشق الهدوء ، ولأنه يحب التجديد في مظهره دوماً فقد قرر يوماً الذهاب في رحلة إلى بورسعيد لشراء ملابس مستوردة وزيارة صرح تجاري لم يذهب إليه من قبل ، وعلى الطريق بدأت السيارة تتهادى في طريقها وهو تارة يتأمل في الصحراء الشاسعة من حوله ، وتارة أخرى ينظر إلى السماء وصفاؤها حتى يخيل إليه أنه سيحلق في جنباتها ، مرت بضع ساعات وأخيراً وصل إلى المدينة الجميلة ، توجه على الفور إلى أحد المقاهي لاحتساء كوب شاي بالحليب فهو مشروبه المفضل ،استعداداً للجولة التي طالما انتظرها ، بدأ التجول في المحال التجارية ولكنه أصبح في حيرة لكثرة المعروض من الموديلات ، حتى أنه كلما يرى أحد الموديلات لا يلبث أن يرى ما هو أفضل منه ، ولما رأى الوقت ينسحب من بين يديه توجه إلى أحد محلات المستوردين الكبار ليشتري أغراضه ، وعلى ضخامة المحل الذي دخله واتساعه لم يجد فيه سوى فتاة واحدة فقط ، فأخذه العجب من ذلك ، توجه إليها وأخبرها بحاجته ، ويبدوا أن الفتاة قد ضاقت بوحدتها في هذا المحل الشاسع فأخذت في إضاعة الوقت بذكاء حتى تستطيع الإبقاء عليه أطول فترة ممكنة ، تبدأ حديثها بالملابس ثم تتشعب به في ذكاء شديد إلى أحاديث أخرى تماماً ، ثم روداه الفضول فسألها لماذا يتركون فتاة جميلة مثلكِ وحدها في محل شاسع كهذا، وقبل أن يأتيه جوابها شعر بجلبة وضوضاء في الخارج ، ثم أحس بدموعه تسقط على خديه وباختناق في حلقه ،أسرعت الفتاة بغلق أبواب المحل ، ورجعت إلى عبدالله الذي سألها بدوره ما الذي حدث هل احتلت اسرائيل بورسعيد ، هل قامت الحرب مرة أخرى، بهدوء مشوب بالأرتياح ــ فهو سيبقى معها الآن رغم أنفه بدون الحاجة إلى أي حيل ــ لا لم تقم الحرب ولكن تلك قنابل مسيلة للدموع تلقي بها الشرطة على الجماهير. سألها أي جماهير تقصدين. أجابت في دهشة أنت مش عايش في الدنيا اليوم مباراة الأهلي والمصري، أجابها في دهشة أشد: وما المشكلة في مباراة كرة قدم ، أسندت ظهرها الى مقعدها في هدوء وقالت المشكلة أن الأهلي أحرز هدفاً في مرمى المصري ، وبالطول بالعرض لازم نجيب الأهلي الأرض . نظر عبدالله إلى ساعته فوجد الوقت قد تأخر فاستئذنها في الذهاب فقالت تمهل لإن المشجعين في الخارج في حالة ثورة عارمة وأنت بلهجتك المصرية هذه ربما تكون هدفاً لهم. ولم يكن باليد حيلة سوى الانتظار إلى أن تهدأ العاصفة...
مشاهد متفرقة : ـــ
المشهد الأول : رجل متزوج لديه أولاد في عمر الزهور وزوجة حنونة كنسمة هواء في يوم قائظ ، إلى هنا والكلام جميل ، ما المشكلة إذاً، المشكلة أنه من مشجعي كرة القدم تلك الساحرة الملعونة ، يجلس الرجل أمام التلفاز لمشاهدة المبارة فيحبس الصغار أنفاسهم خشية أن ينالوا عقاباً أليماً إن هم أصدروا أدنى حركة ، تبدأ المبارة ويبدأ الرجل في توجيه الاعبين من خلف شاشة التلفاز وكأنهم يسمعونه ثم يبدوا أنهم خالفوا أوامره فيبدأ بسبهم ، تنادي عليه زوجته الحنونة إشفاقاً عليه فينهرها قائلاً ( غوري من وشي الساعة دي ) تنحدر دموع الزوجة على خدها لكنها تخشى أن تصدر صوتاً فتنال ما هو أشد ، وأخيراً وحتى تحافظ الزوجة على ما تبقى لها من كرامة أصبحت تهرب إلى أي مكان عندما يبدأ زوجها في مشاهدة إحدى المباريات.
المشهد الثاني :ــ
في العمل اجتمع بعض الزملاء وكان محور حديثم عن لقاء القمة المرتقب بين الأهلي والزمالك أغلبية أهلاوية ضد فرد زملكاوي ، هو يحاول أن يثبت أن فريقه هو الأفضل ، وهم يردون عليه بالتاريخ والوقائع ، هو يؤكد لهم أن فريقهم سينهزم ، وهم على ثقة من النصر، يحتد النقاش وتبدأ المعايرات : كل فريق يعاير الأخر بهزيمته من إحدى الفرق الأجنبية ، وفي النهاية يضيق كلاً منهم بالأخر ويتفرقون
، وفي المساء يتحقق حلم مشجعي الأهلي بالفوز ، وفي اليوم التالي، ينتظر مشجعي الأهلي زميلهم بشوق ولهفة لمعايرته والاستهزاء به ، ولكنه لم يأتي لأنه يعلم المصير المحتوم فيمكث في بيته حتى تهدأ العاصفة.
المشهد الثالث :ــ
تماثلت الشمس للغروب، قرأت أذكار المساء، توضئت للصلاة خرجت إلى المسجد لألبي دعوة رب الأرض والسماوات ، في الطريق إلى المسجد اجتمع بعض أصحاب المحلات التجارية مع بعض الأصدقاء أمام شاشة التلفاز لمشاهدة مبارة كرة قدم ،
ألقيت عليهم السلام فلم يردوا ، حيث كان تركيزهم في التلفاز شديد جداً ، قضيت صلاة المغرب وكذلك العشاء وهم ما زالو على حالهم ، قلت في نفسي ربما تكون صدرت فتوى بوجوب ترك الصلاة لمشاهدة مباريات كرة القدم....
المشهد الرابع :ــ
جماعة أو اثنان من مشجعي كرة القدم قاموا بأشعال النار في أحد مشجعي الفريق المنافس ثم قاموا بأطفائه بعد ذلك ، وأعتقد والله أعلم أنه لولا خشية العقاب القانوني ـ وليس الإلاهي ـ لتركوه يموت حرقاً
المشهد الخامس : ـ
رجل متدين يواظب على الصلاة ، كان يشجع فريقه القومي أمام التلفاز ونادى المنادي للصلاة لكنه لم يتحرك ـ رغم تدينه أصبح تشجيع فريقه أهم عنده من الصلاةـ وأتساءل هل لو قبض وهو على هذه الحال سيكون حبه لفريقه وانتماؤه لبلده عذراً له أمام الله يسوغ له تأجيل الصلاة.
دروس مستفادة : ــ
1ــ كرة القدم تورث التناحر والشقاق بين بلد وأخر حتى وإن كانوا من دولة واحدة.
2ـ كرة القدم تورث سوء الأخلاق وظلم للزوجة وللأولاد.
3ــ كرة القدم تورث التشاحن والبغضاء والاستهزاء بين الزملاء والأصدقاء.
4ــ كرة القدم تصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
5ــ كرة القدم قد تؤدي ألى ارتكاب جرائم .
6ــ كرة القدم تفتن الناس عن دينهم.
شبهات وردها :ــ
هناك شبهة أوردها بعض إخواننا من المحبين المخلصين لوطنهم في مسألة كرة القدم وهي أن تشجيع الفريق القومي تعد مسألة انتماء للوطن ويجب أن يفرح الإنسان لفوز فريق بلده ، وهذا من كيد الشيطان عليه لعنة الله إلى يوم الدين، فهذا هو دأب ذلك الخبيث ووظيفته من لدن آدم إلى قيام الساعة ، وهو تلبيس الباطل في صورة حق وتزيينه في عيون البشر حتى يظنوا أنهم يفعلون الخير والحق( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) فهذه هي
طريقته ( إظهار الباطل في صورة جميلة مزينة حتى يتسنى للبشر اتباعه ) وسوف
نبين طريقته في هذه النقطة ـ الانتماءـ ونذكر في ذلك قصة فعلها يهودي من تلاميذ إبليس عندما رأى الحب والتآخي يسود بين الأوس والخزرج عندما أسلموا رغم أنهم كانوا أعداء في الجاهلية ، فأوعذ إلى غلام من اليهود أن ينشد لهم شعراً كانوا قد قالوه في يوم بعاث ـ وهي حرب كانت بينهم ـ فما زال يذكرهم بذلك اليوم حتى دب الشقاق بينهم وتواعدوا للقتال ، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم قائلاً ( يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بين قلوبكم) نعم يا حبيبي يا رسول الله ، فدعوى الانتماء هذه هي دعوى جاهلية فالمسلم لا ينتمي إلى مصر ولا الجزائر ولا السعودية ولا أي قطر فكل أرض دخلها الإسلام هي أرضي لا فرق في ذلك بين مصر والجزائر وباكستان وأي قطر من أقطار الإسلام . فالمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنون في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) تأملوا معي جيداً هل يصلح للجسد الواحد أن يكون متناحراً متنافراً . هكذا يريدكم رسول الله صلى الله عليه وسلم جسداً واحداً .
وهكذا تضافرت الآيات القرآنية على تأكيد هذا المعنى ( إنما المؤمنون إخوة )
فكل من فرق بين مصر والجزائر وغيرها من بلاد الإسلام فهو يدعوا بدعوى الجاهلية التي نهانا عنها الله ورسوله ، وتخيلوا معي أخوتي الكرام في بلاد الإسلام
لو نجحنا في العودة الى تطبيق تلك المباديء لانجلت عنا والله الهموم والأكدار.....
وأخيراً فلنتأمل معاً قول المولى عز وجل ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) تأملوا معي هذه الآية بعمق وانظروا إلى نتائج كرة القدم فها هي الساحرة الملعونة قد أوقعت بيننا العداوة والبغضاء وصدت عن ذكر وعن الصلاة وتحققت أمنية الشيطان فهي والخمر والميسر سواء بسواء....
فهل نحن منتهون
فهل نحن منتهون
فهل نحن منتهون