لفت نظري ذلك الغلاف المثير... فتاه ظهرها نصف عار ... محنية الي الأمام ... ممسكة بخصرها ... و كأنها تتألم او تتقيأ ! , تحركت عيناي إلي الاعلي لتطالع ذلك العنوان الغريب ... المصروف من صيدلية احدهم علي ما يبدو .... "نيكروفيليا"!
تلقفت ذلك الكتيب الواقع في مئه صفحه او يزيد قليلا من ذلك القطع المستطيل الصغير .... فاذا بالصفحة الاخيرة للغلاف بها ما يلفت النظر .... تعليقان لقامتين أدبيتتين كبيرتين .... أحدهما كاتبي المفضل ... د.نبيل فاروق ... و الاخر هو الشهير د.احمد خالد توفيق ... مما زاد من فضولي نحوهذا الكتيب ... التي خطته كاتبة تتوسط صورتها "المحجبه" خلفية الكتيب في تعارض "ايدلوجي" صامت بين صورتها و صورة ذلك الظهر العار الذي يفتتح الرواية .... لم يكن هناك الكثيرعنها سوي أنها من مواليد 82 و انها من خريجات الفنون الجميله .. و تتدعي شيرين هنائي
ازعم ايضا ان ذلك الاهداء المدون و الموجه لزوجه الكاتبه شدني هو الاخر.... خطت "هنائي" في الصفحة الخامسة تقول : " أجد من الغريب ان تهدي فتاه رجلها في اول عيد ميلاد له معها .. رواية نفسية كئيبة من تأليفها , و لم يمر علي تعارفهما الا اشهرا قليله ... لكن الاغرب ان يحب هذا الرجل تلك الفتاه , بل و يتزوجها رغم شغفها الشديد بأن تكون كاتبة قصص رعب ! ... و لهذا الرجل المميز , اهدي تلك الروايه التي قرأها في يوم ميلاده و لم يفر هاربا ... الي زوجي "
اذا هي رواية رعب كئيبه ... و انا لست من جمهور هذا العالم ... فلا أحب الرعب و لا يستهويني ... لذا يمكن أن اقرأ بشغف لنبيل فاروق مثلا ... و بالعكس بالكاد اعرف احمد خالد توفيق .... الا من خلال روايه وحيده كئيبه ... لكن تعليق ذلك الاخير الذي دونه علي غلاف هذه الروايه عندما قال : "هناك شاعر عراقي لا اذكر اسمه كان يتغزل في حبيبته , فراح يتخيل تعفن جثتها , و الاجزاء الجميلة التي سوف يأكلها الذئب منها , رواية نيكروفيليا جاءت من نفس العالم تقريبا" !! " ... جذبني هو الاخر
عند هذا الحد ... قتلني الفضول ... و انتصر علي مقاومتي لكرهي لقصص الرعب ... فقررت ان اشتريها لتكون رفيقة سفري .... بدأت اقرأ ... متوقعا مغادرة الرواية بعد أول قضمه من أول جثه .... لكن الذي حدث أني اكملتها حتي النهاية ... رغم جرعه الكآبه الهائلة !
القصه غائرة في الكآبه حتي اذن القارئ ... فالبطله فتاة تدعي "منسية" ... مريضه لا تأكل و لا تشرب ... يحاكي شكلها الاشباح .... تحيا حياة تحت الارض .... مع اب له جسد انسان و ما هو منهم .... صديقتها الوحيده "فتنه" تعيش في المقابر .... و هي الاخري شاذه ! .. و الشذوذ هنا ليس ذلك الشذوذ الذي تعرفه ... فقط اصبر و اصطبر
البطل ... طبيب وسيم طويل عريض غني حالم واهم فاهم رهيب ... ككل ابطال روايات الحب و الغرام .... و مع ذلك كانت القصه تدور حول "علاقه" بين هذا الذي ينتمي للمريخ و هذه التي تنتمي للمقابر ! ...و بجرأه تحسد عليها الكاتبه .... ناولت باحترافية منطقه نفسيه و جنسيه من حياة الفتيات المراهقات ... قد لا يعرفها البعض الا قشورا ... فقد اجادت الكاتبه الدخول في هذه المنطقه الشائكه بأقل الخسائرالممكنه ....و التي قد تلحق بالقارئ... خصوصا اذا كان يصنف نفسه يمينيا ...
لقد تناولت تلك الكاتبة.. مرضا نفسيا جنسيا غريبا لم يسبق لي ان سمعت عنه.... و هو مضاجعة الموتي !!! .... نعم النوم مع الموتي .. هو مرض يسميه "أسيادنا" في عياداتهم النفسية : "نيكروفيليا" ... و لم يكن اسم مضاد حيوي كما كنت اظن .. هذا المرض يجعل الانسان شاذا فيشتهي "الجثه" بدلا من ان يشتهي الحي ... !! .... يا الهي !!
لا أنكر – رغم الكآبه – ابداع تلك الكاتبة في جعل القارئ ينتقل مصدوما من مرحلة الي اخري اشد صدمه ... فالغرابة و الكآبة و الاثارة والاشمئزاز مع طيف من الرومانسية الاوروبيه الغير واقعيه احيانا .. كونوا خليطا نادرا ما يجتمع في بين ضفتي كتاب واحد ... لكنه حدث في هذه الـ "نيكروفيليا" ...
باختصار .. ....نهاية الروايه السعيده .. كانت أن فتاة المقابر الرقيقة "منسية" احبت طبيبها الوسيم "جاسر" ... فقتلته لتضاجعه جثه ! ... ثم قتلت نفسها فوقه !!! ... و بين البداية و النهايه ... تفاصيل لا تروي .. و لن تروي ..