يا له من تماثل وتطابق مبهر . كل شيء مثالي. لقد تمت عملية الفصل بنجاح.
كانا بعد كل جملة تتسع ابتسامتهما لتعم كامل الوجه بل والجسد كله يتمايل فرحا. ينظران إلى يعضهما والسعادة ملئ القلوب يكاد يسمع لها زغاريد.
ثم أكمل: غير أن....
سحب منهما الأكسجين فجأة وابتلعا ريقهما بصعوبة.
أكمل من فضلك...
غير أن أحد الطفلين قلبه ضعيف و الرئتان لا تعملان بشكل كامل.
- و ماذا يعني هذا؟
دعونا لا نستبق الأحداث. هما الآن في العناية المركزة و نحن نتابع حالتيهما على مدار الساعة.
- هل يمكن رؤيتهما؟
- بالطبع هما طفلاك ولكِ كل الحق.
أعجبتها الكلمة و رددتها " طفليَّ"كان لها وقع رائع وطعم تذوقت حلاوته.
نظرت إليهما من خلف الزجاج وادركت من تلك الانابيب أن أحدهما ينال رعاية أكبر. إنه وحيد.
- حبيبي.. قلبك الصغير لم يحتمل. لا تترك أخاك. لا تتركنا أنا و أباك نحن جميعا بحاجة إليك. أحتاجكما معا. أرجوكما لا تفترقا. كلمات خرجت من القلب مباشرة مخضبة بالدموع.
ظل الوضع هكذا أياما والأمور لا تتغير وقلب وحيد و رئتيه لا تتحسنان بينما أخيه فريد أصبح جاهزا لمغادرة غرفة الرعاية المركزة.
صرخت الأم: لااا.. لا تبعدوهما عن بعضهما. ظلت ترفض والفريق الطبي يشرح ويوضح حتى استجابت أخيرا لما فيه صالح إبنيها. لكنها قالت
بكل اللهفة المحبوسة في صدرها: سألتقط لهما الصور سويا. ستكون هذه أول مرة يتباعدان فيها عن بعضهما. أريد أن اسجل كل لحظة تمر في حياتهما وهما معا. ظلت تفعل وتلتقط المزيد والمزيد من الصور حتى أخذها في حضنه وطمانها: سيكون طفلانا بخير. إهدئي و لا تقلقي.
كانت المرة الأولى التي تحمل فيها أحد طفليها. إحساس لم تكن تعلم مدى روعته.
- هذا الكائن الرائع كان في أحشائي! هذه الأطراف و الأصابع الصغيرة تكونت من لحمي و دمي وعظامي! استفاقت على ابتسامة من الصغير و هو ينظر إليها يداعبها ويناديها بعينيه: أين عناقك وقبلاتك؟ اشتاقها انا في الانتظار. انهمرت الدموع والقبلات لم تترك فيه جزءا لم تقبله يديه قدميه عينيه شعره جسده الصغير. وفي غمرة القبلات كانت طعنات مصاحبة من بقاء وحيد وحيدا بلا أحضان أو قبلات.
ارضاع الصغيرين كان سحر ووصل روحي يومي مع أمهما ورباط من السماء وكأن الحبل السري لايزال ممتدا يستمدان به من حياة امهما الحياة فقد كانت كل يوم تجمعهما سويا في أوقات الرضاعة حتى يظلا معا و لا يفترقان.
طاردتها الكوابيس.. كل يوم كانت تهب من نومها فزعة فتنطلق عابرة طرقات المستشفى الباردة ليلا لتطمئن على ابنها الذي لايزال في الانعاش. كانت تشعر بقلب الأم الذي امتلكته منذ أن حملت بهما دون أن يخبرها أحد أن حالته تسوء.
إلى أن حدث ما كانت تنتظره ولا تريد له أن يأتي ولكنه أتى. أتى الخبر الحزين. صاعقة ألمت بكيانها عندما علمت أن القلب الصغير لابنها لم يحتمل كل تلك السعادة والحب فاستسلم للراحة. تاركا عناء الفقد والألم لها و لأبيه وراحة لن ينالاها ما بقي من عمرهما وأخيه الذي لم ينعم بلحظة لهو واحدة مع توأمه.
ليت المصيبة توقفت عند هذا الحد. لكنها أُخبرت أن عليها ترك المستشفى و البلد فلم يعد هناك ما يقدمونه إليهم. وابني..؟! هل اتركه في بلد غريب وأرحل؟ لابد أن آخذه معي. كيف وقد حرمت منه حيا أن أحرم من زيارته و التحدث إليه حتى و إن لم يرد علي لكني على يقين أنه سيشعر بي و يسمعني.
لم تفلح محاولاتهما مع المسؤولين فقد وقعا على كل الأوراق فيما مضى.
عادا بابنهما مطأطين الرأس سعادتهما منقوصة بل مطعونة نازفة. لم يجرؤ أحد من الأقارب و الأصدقاء على تهنئتهما أشهرا حتى تقبلا الوضع بالصبر و الرضا مع بقاء الحزن رفيقا ومؤنسا وصور الطفلين عزاء يملأ أركان المنزل.
إلى اللقاء في الجزء الخامس