كان المساء قد ألقي بظلاله على شوارع المدينة، حين دفع رجل في منتصف العمر باب المطعم بخطوات واثقة. كانت يده ممسكة بيد طفلة صغيرة، ترتدي فستانًا ورديًّا نظيفًا بدا كأنه خرج لتوّه من مغسلة أنيقة.
جلسا إلى طاولة في زاوية المطعم، وما إن اقترب الجرسون حتى ابتسم الرجل وقال:
الرجل:
_أريد قائمة الطعام، من فضلك.
الجرسون (بابتسامة مهذبة): _تفضل يا سيدي، لدينا اليوم أطباق مميزة جدًا.
فتحت الطفلة عينيها ببراءة، كانت تحدق في الصور الملونة للأطباق وكأنها ترى الطعام لأول مرة.
الطفلة :
_أريد هذا… وهذا أيضًا… وذاك الطبق الكبير!
ضحك الرجل :
_كل ما تريدينه سيكون لكِ، الليلة سهرتنا خاصة.
لم تمضِ دقائق حتى امتلأت الطاولة بأنواع الأطعمة: لحوم مشوية، مكرونة، أسماك، وحتى البيتزا. جلس الرجل يقطع اللحم للطفلة، يضع لها في طبقها، وينظف وجهها بمنديل ورقي كلما اتسخت. كان مشهدًا مؤثرًا، جعل رواد المطعم يتبادلون نظرات الإعجاب.
إحدى السيدات الجالسات:
_ ما أروع هذا الأب! كم هو حنون!
رجل آخر:
_يا ليت كل الآباء مثله، العالم سيكون أجمل."
حتى الجرسونات أخذوا يتابعون المشهد بإعجاب.
حتى الجرسون تمتم فى خفوت :
_يا له من رجل عظيم! يجلس مع طفلته كأنها أميرة.
وبعد أن فرغوا من الطعام، طلب الرجل الحلوى:
الرجل:
_أريد أكبر قطعة كعكة شوكولاتة لديكم… لطفلتي.
الطفلة (تصفق بفرح):
_ يااااه! شكراً
الجرسون:
_ أتمني أن يكون الطعام نال إعجاب حضرتك.
الرجل :
_ الطعام شهي وممتاز ، بلغ تحياتي وامتناني لكل من شارك فى الطهي.
وبعد أن انتهت السهرة، وقف الرجل أمام الطفلة وهمس لها بكلمات لم يسمعها أحد. ثم التفت إلى الجرسون قائلاً:
الرجل:
_سأخرج للحظة إلى السيارة وأعود فورًا.
مرت دقائق طويلة، والطفلة ما زالت جالسة وحدها أمام الطاولة. الدقائق تحولت إلى نصف ساعة كاملة، بدأ القلق يتسلل إلى قلب الجرسون، فتقدم نحوها وسألها برفق:
_أين والدك يا صغيرتي؟ لقد تأخر.
رفعت الطفلة رأسها بعينين بريئتين وقالت بهدوء:
_إنه ليس والدي.
شهق الجرسون ومال بجسده نحوها:
_ماذا تقولين؟!
الطفلة:
_لقد وجدني في الشارع… أعطاني هذا الفستان… وقال لي تعالي نأكل طعامًا لذيذًا.
ركض الجرسون نحو باب المطعم، لكن الرجل كان قد اختفى. عاد إلى الطفلة ، بينما رواد المطعم يتهامسون بصدمة.
نظرت الطفلة لهم في براءة وهي تقول :
_هل يمكنني طلب كوب من العصير؟!