وضع أذنيه بحرص شديد وفضول بالغ.. هل هنا يختبئ طفلي التوأم بعيدا عن ناظري. مضى وقت طويل و أنا انتظرهما أنا و حبيبتي فقد عانينا كثيرا من أجل هذه اللحظة. كم تمنينا هذا اليوم حتى قبل أن نتزوج و بعد خمس سنوات يقترب الحلم.
فما هي إلا بضعة أشهر و يقبلان بأصواتهما البريئة وحركاتهما المتعثرة التي ستملأ حياتنا بالبهجة و الرضا. نظرت إليه بابتسامة لم تمنع تساقط دموعها على خده ظل يمسح عينيها الدامعتين بكفه و تمسح هي خده المبلل بالدموع.
كلمات الطبيب لازال صداها يطرب الآذان حين القى على مسامعهما بشارته السارة: " مبروك أنت حامل. " حينها..عانقها بكل الحب و قد اختلطت المعاناة بالأمل داخل صدره الذي ضمها و احتوى أسرته كاملة حين احتواها.
كان في انتظار الزيارة القادمة للطبيب ليطمئن على نمو طفلية ويسمع دقات قلبيهما. دقات سوف تؤنسه إلى أن يستطيع حملهما بنفسه.سوف تكمل الشهر الثالث وهو الميعاد الذي حدده و أكد عليه الطبيب. ذهبا وقودهما الأمل والسعادة و قلوب تخفق بخفقات التوأم السري المختبئ.
شيء ما جعل هذه القلوب تتوقف عن الخفقان وتتفلت نبضاتها من الشرايين.تعلقت أعينهما بوجه الطبيب و هو يتفحص جهاز الأشعة فوق الصوتية وقد تغير وجهه وهو يدقق النظر أكثر في الشاشة.
نظرا إلى بعضهما وسألاه في نفس واحد: ما الأمر؟
تردد قليلا ثم بدأ الحديث بصوت مضطرب. : أخشى أن هناك مشكلة.
هل حدث لأطفالنا شيء؟ هل هما على قيد الحياة؟ صمَت قليلا و تنفس بعمق ثم قال: أكدت على زيارة اليوم لأتحقق من أمر لاحظته في الزيارة السابقة. و بالفعل تحققت منه الآن. استحثته نظراتهم اللاهثة بالإسراع في الإفصاح عن حقيقة الأمر و التخلي عن سكين التباطؤ والتردد. استجمع قواه ثم ألقى قنبلته في وجهيهما: أخشى أن التوأم ملتصق وبحسب نوعية الحالة سيتحدد إن أمكن فصلهما.
انسحب الشحوب على وجه الثنائي الحالم وتمادى اللون الأصفر في انتشاره على سائرخلايا الجسد حتى صارا كزوج كناريا بللهما المطر فلم يقويا على التحليق بحلمهما بعيدا كما تمنيا.
باتا ليلتهما على كرسيين متقابلين لم يغادرانهما منذ ان عادا من عند الطبيب. كان يحدقان في بعضهما فلا يريا الا الاعماق المظلمة بظلمة المجهول. ينظران أبعد من حدود الغرفة إلى لا شيء وكل السيناريوهات السيئة تتداعى أمامهما. لم يكونا هكذا من قبل. كان الحبل الواصل بين روحيهما هو الصبر و الأمل. لم زارهما الإحباط الآن دون دعوة. هل لهذا الحديث الصامت من نهاية؟
التقطت هاتفها دون إرادة و قلبت في قائمة الصور الجانبية على ماسنجر فتعلقت عينيها بصورة ابنة خالتها المقيمة في ولاية فيرجينيا.
اتجهت يدها إلى الصورة وقامت بالاتصال فلم تسألها لم فعلت ذلك. ردت ابنة خالتها بصوت يتراقص فرحا من هذا الاتصال المفاجئ. وبعد تبادل التحايا، وما أن علمت بحمل ابنة خالتها حتى طارت من الفرح لكن صوت القريبة الحزين أنبأ عن أمر آخر. على الطريقة الأمريكية سألتها: هذا هو الخبر الجيد فما هو الخبر السيء؟ صوتك يشي بأمر خطير. أخبرتها بالتفاصيل. استمعت جيدا و هدأتها و أخبرتها أنها ستتصل بها لاحقا بعد أن تعرض الأمر على الأطباء عندها.
قام إليها يحتضنها و يطمئنها أن كل شيء سيكون بخير. هو على يقين بذلك وكله ثقة في الله. لم تستطع النهوض من مكانها فظلا هكذا ساعات.
اخرجهما صدى صوت الهاتف من بئرهما العميق. كانت ابنة الخالة مرة أخرى.
- أجريتُ اتصالا بجار لنا يعمل جراحا وبعد عدة ساعات جاءني رده: كل مراكز الجراحة والجراحين الأكْفاء أجمعوا ان الأمر بسيط.
- تستطيعين أن تأتي من اليوم وحتى موعد الولادة لتكوني تحت الملاحظة أنت و طفليك. وسيقومون بتسهيل كل الإجراءات اللازمة لذلك.
ردت عليها بلهفة: و لكن الطبيب أخبرني أنه يمكنني إجراء عملية الفصل بعد الولادة بفترة في مصر أو في المملكة العربية السعودية.
التقط الهاتف من يدها و ظل يسأل و يستفهم من ابنة الخالة عن كل شيء في حوار مطول. حتى اقتنع في النهاية أن السفر إلى هناك أفضل بكثير من حيث سهولة الإجراءات و دوام المتابعة و سرعة التدخل اذا حدث طارئ لم يكن معمول حسابه.
أرسلت لهم قائمة بكل الأوراق المطلوبة. على أن تقوم هي بكل الخطوات التحضيرية و التنسيق مع المستشفى والجراحين ثم ارسال تذاكر السفر لهم بعد استيفائهم كل الاجراءات.
ارتمت في حضنه وابتسمت ابتسامة تخللتها الدموع وأحاطها الأمل...
إلى اللقاء في الجزء الثاني