الخميس الأول من كل شهر. موعد الاجتماع الدوري لعائلة سرور.
بعد وفاة الوالدين و انفراط عقد العائلة التي اتسعت وتشعبت و تعسر لقاؤهم بعد محاولات عديدة فاشلة؛ قرر محمود الأخ الأصغر أن يجتمع هو وإخوته الثلاثة في بيت العائلة. هذه الشقة ذات الإيجار القديم التي ضمت الاسرة سنوات الطفولة والشباب و كانت المتسع والحضن الدافئ الذي احتواهم مع أبوين كريمي الطبع والخُلق. كان القرار نتاج لحدث أثر في نفس محمود كثيرا؛ حين التقى بأولاد أخيه الأكبر فؤاد ولم يعرف ابنته الصغيرة و لم تعرفه. لكن فؤاد لم يحرك ساكنا وحول الموضوع إلى مزحة، فقد كان جمع المال هو أول و آخر اهتماماته حتى انهم تساهلوا معه في ميراثهم منعا للشقاق و بِرا بأبويهم و إكراما لصلة الرحم فيما بينهم. أما شيرين كانت بمثابة الأم التي ترفق و تحنو و كثيرا ما دعتهم إلى منزلها ولكن لم يحدث يوما أن اجتمعوا كلهم، فدائما يتخلف منهم أفراد لانشغالات أو عدم اهتمام كما أن زوجها رغم دماثة خلقه لم يبدِ حماسا و لا يلام على ذلك فطالما كان هذا شأن أفراد العائلة أنفسهم، لذلك كانت هي أول من استجاب لدعوة محمود للم الشمل العائلي.
لم يتبق إلا ماجد ولكن لا قلق منه فهو يفضل دائما تنفيذ القرارات لا اتخاذها. لا يقدم حلولا لكنه لا يرفضها، و شان الكل هو التعايش مع هذا الفتور العائلي وكأنه امر طبيعي. لكن لا بأس أن استجابوا لدعوة أخيهم الأصغر كي يتعرف الأولاد على بعضهم البعض فهم الأجيال التي ستكمل المشوار لتبقي على وجود و استمرارية عائلة سرور .
اقترح اكبر الأحفاد أن يتناولوا في كل لقاء موضوعا للنقاش ليكون اليوم أكثر اثارة و فائدة ويحفزهم على تكراره بلا ملل، وقد لاقى اقتراحه موافقة الجميع وثناءهم، فكان الموضوع الأول الذي اقترحته الحفيدة الصغرى سنا. قالت بلهجتها المتكسرة المحببة: ماذا لو اقترب نيزك عملاق من الأرض و كانت نهاية العالم خلال ايام؟
بادر العم فؤاد بالإجابة.
كنت سأنتهز فرصة انشغال الناس بالحدث واحباطاتهم وأحول كل حسابات البشرية إلى حسابي في البنك.
صاح الجميع في وجهه بكل الاندهاش: وماذا تفعل بالمال والعالم سينتهي. رد بكل بساطة: يكفي أن تشعر أنك تمتلك العالم بثرواته ولو يوما واحدا. سألته أخته شيرين وماذا لو ابتعد المذنب أو أُبعِد و لم ينته العالم؛ كيف ستواجه تهمة الاستيلاء على الأموال؟
ابتسم بسخرية وهو يردد الورق سليم ولايملك أحد مقاضاتي.
سأل أحد الأبناء: و أنت يا عمي ماجد. أريد أن أعرف ماذا كنت ستفعل لو ان العالم سينتهي.
كان كالعادة وديعا هادئا لا تفارقه الابتسامة: وماذا عساي أن أفعل؟ لا هروب أو مفر. سأغمض عينيَّ و انتظر اللحظة.
حدق جميع الصغار في وجهه بينما الكبار لم يتوقعوا منه غير ذلك. قالت ابنة شيرين: ألن تخاف يا عمي أو تتألم؟ ألن تنفجر صراخا والكون ينفجر من حولك أم تدفن الألم قبل أن يُدفن كل حي في الفضاء الغامض الفسيح؟
رد بحكمه وهمية باردة بصيغة أقرب إلى البلاهة. الكل سيصرخ ولن يضيف صراخي شيئا للحدث بل سيختلط بأصوات الآخرين وصراخهم ولن يسمعه أحد. سأحتفظ بطاقتي للعالم الآخر.
ضربوا كفا بكف وساد الصمت برهة إلى أن قطعه صوت شيرين بنبراته الدافئة.
أنا كنت سأتعلم كيف يصنع السينابون..
انفجر الجميع في ضحك هستيري وظنوها مزحة.
قالت أنا أعني ذلك. فقد وعدت زوجي الغالي أن اتعلمه وأصنعه له بيدي كما تمنى كثيرا لكني لم انفذ وعدي ابدا متعللة بضيق الوقت و كثرة الخطوات وصعوبتها بالنسبة لى. لكني لن أدع العالم يفني قبل أن أفي بوعدي لمن كان لي دائما الدعم والسند، وستكونون جميعا مدعوين فتجتمع اسرتي الصغيرة مع عائلتي الكبيرة أهلي و أهل زوجي نستقبل الحدث سويا ولا نفترق ابدا وعندما نبعث.. نبعث معا.
اختلط التصفيق بالضحكات و كثرت الأحاديث الجانبية وحديث الصغار يتمنى لو نهاية العالم تكون سريعا حتى يستمتعوا بمذاق السينابون اللذيذ. حتما ستكون هناك كميات كبيرة منه ولن تشتكي الوالدات من ارتفاع ثمنه.
نظر الجميع إلى محمود فجأة : لم يتبق إلا أنت يا عمنا. كلنا شغف أن نعرف ماذا كنت ستفعل. نعلم أن لك دائما ترتيبات أخرى.
اعتدل في جلسته وفكر كثيرا.. وقال: حتما سيكون هناك حلا. دائما هناك بصيص من الأمل و ضوء آخر النفق المظلم. مادام يوم القيامة لم يتحدد بعد ولا يعلمه أحد سوى الله فلا استسلام.
سنعمل جميعا. كل العالم دولًا و أفرادا. سنُسَخر كل امكاناتنا المادية والعلمية من أجل انقاذ الحياة النابضة على كوكبنا. لن ندخر وسعا أو ندع مجهودا أو فرصة إلا وجربناها و عملنا على تنفيذها سويا. سنزرع الفسيلة.
أخيرا سيتحد العالم ويتعاون لإنقاذ نفسه. سيتوب كل قابيل عما اقترفه و يُبقِي على أخيه يُعِين كل منهما الآخر و تختفي مع توبته طاقات الطمع والظلم.
العلم والمال سيكونان في خدمة الوجود لا الفناء. قاطعه أحدهم : وأنت ماهو دورك في كل ذلك؟
قال بحماس: دوري كدورك ودور كل حي. ما أنا إلا فرد في منظومة الدفاع عن الوجود. ستختفي الأسماء و الجنسيات و الايدولوجيات. سيفكك السلاح و يسبك منه آلات تبعد الشرور عن كوكبنا.
في هذه الأثناء و قبل أن يدلي الأبناء بدلوهم كانت سنا الصغيرة تلعب بريموت التلفاز.
أُضِيئت الشاشة و ظهر المذيع بوجه متجهم قائلا:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها السادة المشاهدون حول العالم جاءنا الآن هذا البيان العاجل.
ساد الصمت فجأة و صار له صوت أعلى من قرع تلك الموسيقى المهيبة.
تعلقت أنظار الجميع وقلوبهم بالشاشة في انتظار هذا الخبر العاجل.
تمت