قد يهجرني النوم ، يعني لا أنام غالبا لأيام وليالي متعددة ..
في تلك الأوقات ، أستطيع أن أظل لساعات على سرير ما ، نظراتي ضائعة ، وقد استعمرها الظلام ، كما لو أن فراغا مهولا يجتاحني ويحيط بي ويتركني كلما مرة ليعود إلي أكثر عنفا وقسوة .
كل يوم أكون وحيدة أكثر فأكثر ، دون أن أكون وحيدة حقا .. لأنني غالبا ما ألوم نفسي وأكلمها :
ـــ آه يا نفسي ... أنت معي ... لا تهتمي ..
تلك الوحدة ..
وحدة الساعات المتأخرة من الليل ، حيث الروح تتوه ولا تسمح للنوم أن يأخذها ..
النوم ، عالم آخر ، قارة مفقودة ..
الأحلام بالنسبة لي جنة غناء ، رغبة متدفقة تبتعد كالسراب ..
أن أحاول النوم هو سبب آخر لكي لا أطاله أبدا ..
هناك ميادين ، حيث المثابرة قاسية و لا تنفع في شيء ، لذلك فأنا أفكر وأفكر وأسافر إلى أمكنة مجهولة من عقلي ..
تناقض واضح بين كوني في هذه الوضعية المدهشة ، قريبة من الحلم ومكتظة بأفكار عشوائية ، دون أن أتمكن دائما من النوم ..
بعض الأحيان أجد نفسي في عمق غابات استوائية خضراء ، في حفرة مركب من خشب وسط نهر غمرته آلاف الأضواء ..
لكن وجهتي المفضلة دائما ، وموضوع كل رغباتي ، قارتي التي أحلم بها ، قارتي المائية ، هي البحر .
كم من الوقت يمر بي في تلك الأمسيات الطويلة وأنا أفكر في ذلك المركب الصغير ، على ظهره تغمرني أشعة الشمس الحارقة ، بعيدة عن هذا العالم ، عن الضجيج والناس ، على أمواج بحري حيث لا أسمع إلا تلاطم الأمواج الشجي .
البحر كان لي دائما هو الملجأ ، هو الأمان ، إنه ساحر ، شاسع ، لا متناهي ، إنه أزرق ، زرقة عميقة حيث تندثر الأنوار وتفنى ، وحيث يمكنني أن أرى الأسماك ، وهي تحدث بعضها ، وتبحث عن قوتها ، وربما تحدثني وتطلب مني وتغريني أن ألتحق بها إلى قعر المحيط :
ــ هيا تعالي ، تعالي ، تعالي .. هنا السكينة التي تبحثين عنها ...
إنها هادئة ، لا تشعر بأي ألم ، مثل هذا الألم المبرح الذي يلازمني والذي جعلني أفهم وأعرف أن كل شيء هو حقيقي ، ويمر بي ويحصل لي ، فالألم هو اسم آخر من مسميات الحقيقة .
أجيبها بكل اقتناع :
نعم ، سأفعل ، سأفعل يوما ما ..